الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 4668تاريخ التسجيل : 16/07/2009العمر : 53المزاج : رايق
موضوع: من تاريخ الخصخصة الخميس 17 فبراير 2011, 12:28
الخميس, 17 فبراير 2011 11:49
أحمد نظيف
كتب - جمال يونس:
إنجلترا.. الدولة التي قامت بالتأميم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت أول دولة تطبق سياسة الخصخصة عام 1979. وأغري نجاح التجربة البريطانية نحو مائة دولة شرقاً وغرباً ومن بينها بنجلاديش التي طبقت تلك السياسة عام 1982 أي قبل فرنسا بأربعة أعوام، حيث استصدرت حكومة اليمين الفرنسية قانوناً من الجمعية الوطنية (البرلمان) بإقرار برنامج الخصخصة ويحتوي علي 65 مشروعاً عاماً كبيراً تبلغ قيمتها نحو 75 مليار دولار. وقامت الحكومة الفرنسية بتعيين قيادات جديدة تتمتع بفكر ليبرالي تختلف منهجياً عن قيادات الفكر الاشتراكي التي كانت تتولي إدارة القطاع العام. ثم أصدر البرلمان الفرنسي قانوناً تم بمقتضاه تعيين وزير قطاع الأعمال العام، يتولي تنفيذ برنامج الخصخصة تحت رقابة البرلمان ويشترط القانون موافقة البرلمان علي خصخصة كل مشروع علي حدة. ومن ثم نجحت تجربة الخصخصة في فرنسا. أما في مصر فقد بدأت الخصخصة عام 1993 وقد لجأت إليها مجبرة بسبب تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي مقابل قروض للتخفيف من آثار الإصلاح الاقتصادي. وقامت الحكومة باستبدال قانون القطاع العام بقانون قطاع الأعمال العام (203). وتم استبدال الشكل المؤسسي للشركات العامة بالشركات القابضة والتابعة. وحلت 17 شركة قابضة و314 شركة تابعة محل 37 هيئة ومؤسسة عامة كانت تدير شركات القطاع العام وتتبع 14 وزيراً. كما قامت الحكومة بتعيين وزير لقطاع الأعمال العام (الدكتور عاطف عبيد) ليقوم بنفس وظائف وزير قطاع الأعمال الفرنسي ولكن شتان بين تجربتين وبين وزيرين. ففي التجربة الفرنسية يشرف الوزير علي برنامج الخصخصة في حدود القانون وتحت رقابة مجلس الوزراء بأكمله وليس رئيس الوزراء كما يخضع الوزير وكل حكومته لرقابة البرلمان والمحاسبة علي نجاح خصخصة كل مشروع علي حدة. ولكن في مصر التي أخذت عن التجربة الفرنسية فإن القانون منح وزير قطاع الأعمال سلطات واختصاصات مطلقة وغير مسبوقة في تجارب الخصخصة بأي من بلاد العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. القانون الذي أعدته حكومة الدكتور عاطف صدقي وبصم عليه مجلس الشعب أعطي وزير قطاع الأعمال العام سلطات بلا حدود بشأن الملكية والإدارة وجعلته المتصرف في ثروة مصر الاقتصادية. انفرد وزير قطاع الأعمال العام بتنفيذ برنامج الخصخصة وقام عاطف عبيد ببيع شركات بيبسي كولا وكوكاكولا والمراجل البخارية بالأمر المباشر ولا ننسي مصانع الأسمنت وما دار حولها من لغط. وبيعت أسهم 38 شركة في سوق المال. كما بيعت 10 شركات إلي مستثمر رئيسي وتم بيع أصول 28 شركة إلي مستثمرين من القطاع الخاص بالإضافة إلي بيع 27 شركة بأكملها إلي اتحادات العاملين والأسلوب الأخير في البيع لم تعرفه أي تجربة في العالم للخصخصة. في التجربة الفرنسية مجلس الوزراء ينعقد بكامل هيئته لفحص عروض المستثمرين الرئيسيين والذي يختار المستثمر صاحب أعلي سعر وأعلي قدرة تكنولوجية وأعلي سمعة في مجال التسويق والإنتاج ويقبل بعمال وموظفي الشركات المباعة. أما في مصر المحروسة وفي عهد عاطف عبيد وزيراً لقطاع الأعمال ورئيساً للوزراء فقد كانت القرارات ببيع الشركات لمستثمر رئيسي انفرادية وخارج رقابة مجلس الوزراء أو مجلس الشعب. تسلمت حكومة نظيف من حكومة عاطف عبيد 175 شركة فقط من بين 314 شركة وتصرفت في سبع شركات منها بالبيع وردت 7 شركات بحوزة القطاع العام. لقد أصدرت الحكومة وبصم مجلس الشعب علي القانون رقم 95 لسنة 92 الذي تم من خلاله الترخيص بإنشاء مؤسسات غير مصرفية تعمل في السمسرة والترويج وصناديق الاستثمار وإدارة المحافظ المالية لتتعرض ثروة مصر الاقتصادية بعد ذلك لأكبر عملية نهب منظم. وطبقت الحكومة أكثر من أسلوب يتمثل في طرح الأسهم في اكتتاب عام بالبورصة ولكن عدم الشفافية وخلو قانون سوق المال من أي عقاب رادع لجريمة إفشاء الأسرار الداخلية للشركات أدي إلي فشل هذا الأسلوب، بل إنه أدي لتربح فئة قليلة من مشتري الأسهم أو مسئولي الشركات لمليارات الجنيهات. وبعد خراب مالطة لجأت الحكومة إلي أسلوب التأجير للقطاع الخاص. وفشل بدوره في تطوير الأصول، بل أهدرها تماماً، خاصة في مجال تأجير الفنادق مثلما حدث في فنادق شبرد وشهرزاد وكليوباترا وغيرها. أما الخصخصة بنظام المستثمر الرئيسي فقد تخلت عنه الحكومة بعد فشله في شركات المعدات التليفونية وطنطا للكتان والنوبارية وعمر أفندي. وأعلن الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار أمام مؤتمر الاستثمار الرابع لمحافظات شرق الدلتا في منتصف العام الماضي عن إعداد نظام جديد لإعادة هيكلة الشركات الخاسرة ووقف طرح الشركات بنظام المستثمر الرئيسي وقصره علي شرائح للمصريين بنظام الاكتتاب العام مع احتفاظ الدولة بالأغلبية. لقد ثبت فشل أسلوب الطرح الكامل في البورصة حين ثبت أن المشتري لأسهم الشركات يفضل وقف العمل وتشريد العمالة واللجوء لتقسيم أراضي الشركات كمشروع إسكاني وكانت الفضيحة أن الوزارة اكتشفت أن القانون لا يمنع المالك من التصرف فيما يملكه فلجأت إلي أسلوب لي الذراع حين طلبت من المحافظين عدم منح أي مستثمر ترخيصاً لغير النشاط الصناعي وعقود البيع للمستثمرين لم تتضمن أي بنود تمنع المستثمرين من تحويل نشاط الشركة إلي أي نشاطات أخري وهكذا في غفلة من الزمن وتواطؤ حكومات الحزب الوطني تم التخلص من القطاع العام.
مأساة صناعة الغزل والنسيج عرفت مصر صناعة الغزل والنسيج منذ أقدم العصور، إلا أن عام 1927 كان بمثابة النقطة الفارقة في تاريخ هذه الصناعة، حين قام طلعت حرب بإنشاء مجموعة من الشركات منها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة ومصر للغزل والنسيج بكفر الدوار، والحرير الصناعي، ومصر صباغني البيضا خلال الفترة من 1927 إلي 1948. واستطاعت مصر منذ عام 1949 أن تتحول من دولة مستوردة للمنتجات النسيجية إلي دولة مصدرة لها، صناعة الغزل والنسيج تتميز بأنها كثيفة للعمالة، حيث يعمل بها مليون عامل يمثلون 30٪ من إجمالي قوة العمل الصناعية وبدلاً من الاهتمام بها شرعت الدولة في خصخصة شركاتها، مما أدي إلي توقف الاستثمارات الموجهة للتطوير أو إعادة تأهيل بعض الوحدات الإنتاجية منذ عام 91/ 1992 وأصبح الصالح من الطاقة الإنتاجية في خطوط الإنتاج بالشركات لا يتجاوز 25٪. وأن 35٪ من هذه الخطوط في حاجة لعمرات كاملة و40٪ يحتاج إلي إحلال وتجديد. في فترة التسعينيات من القرن الماضي اكتشفت الحكومة من خلال وزير الاقتصاد حينذاك الدكتور يوسف بطرس غالي أن صادرات تونس من الغزل والنسيج تصل إلي 11 مليار جنيه بينما صادرات مصر تراجعت بشدة لا تتجاوز المليار أو أكثر قليلاً فأوفد مستشاره الدكتور محمود محيي الدين إلي تونس ليعرف سر تقدم تونس في هذه الصناعة رغم حداثة عهدها بها وعاد وأعد روشتة وحصلوا علي قروض من البنك الدولي ثم ماذا.. لا حس ولا خبر وتعرضت شركات الغزل والنسيج لخسائر باهظة، فشركة القاهرة للمنسوجات الحريرية بشبرا الخيمة وكانت إحدي الشركات الناجحة ويعمل بها 6 آلاف عامل وتم تصفيتها وإنهاء نشاطها وخروج عمالها للمعاش المبكر بسبب ديون لا تتجاوز 40 مليون جنيه.. تصوروا!! أما شركة القاهرة للصباغة والتجهيز وكان يعمل بها 5 آلاف عامل تم تصفيتها تماماً وبيعت أصولها وتحولت أرضها إلي أرض فضاء للبناء وأصبحت أثراً بعد عين وشركة مصر حلوان للغزل والنسيج أسفرت ديونها عن تناقص العمالة بها من 24 ألف عامل إلي 4000 عامل نصفهم يجلس في البيت دون عمل ويتقاضون رواتبهم منذ أكثر من عشر سنوات. واقع صناعة الغزل والنسيج بعد الخصخصة لا تكشفه احتجاجات العمال علي رصيف البرلمان وإنما فضحته عبارة قالها المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة حين قال بالنص الحرفي »مصانع الغزل والنسيج ماتت وإكرام الميت دفنه«!! فين فلوس الخصخصة؟ مر برنامج الخصخصة بأربع مراحل رئيسية، الأولي من عام 1993 وحتي عام 1995 وتم التعامل علي 31 شركة. والمرحلة الثانية تبدأ من 1996 إلي عام 1998 وتم التعامل فيها علي 85 شركة، والثالثة من عام 1999 حتي عام 2001 وبيعت فيها 64 شركة. والرابعة من عام 2002 إلي الآن 18 شركة. وكان من المخطط أن يتم تقسيم حصيلة الخصخصة إلي جزء يذهب لوزارة المالية لخفض الدين العام أو عجز الموازنة وجزء لإعادة الهيكلة وجزء لتمويل المعاش المبكر وجزء لسداد مديونيات البنوك. ولكن هل تحققت هذه الخطط لندع تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يرد علي هذا السؤال من خلال ملاحظاته. أولاً: بلغ ما تم تحصيله من عائد الخصخصة نحو 48.128 مليار جنيه والباقي 1.9 مليار جنيه لم يتم تحصيله من المشترين. ثانياً: حصلت وزارة المالية علي 16.6 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة إلا أن تأثير ذلك لم يظهر علي انخفاض الدين العام أو عجز الموازنة مع العلم بأنه قد تم استخدام مبلغ 82 مليون جنيه من هذه الحصيلة لصالح شركات توظيف الأموال. ثالثاً: بالرغم من أن المعايير المستهدفة لبيع الشركات كانت تعطي الأولوية للشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تتمتع ببيئة عمل تتسم بالاستقرار إلا أن عمليات البيع شملت في بعضها الشركات الكبيرة والضخمة والتي تتمتع بالاحتكار وأكبر مثال علي ذلك بيع شركات الأسمنت. رابعاً: بيع بعض الشركات بالتقسيط بالمخالفة لبرنامج الخصخصة الذي ينص علي البيع نقداً. خامساً: تجاهلت الشركات القابضة إعادة هيكلة الشركات المتعثرة وأنفقت 3.7 مليار جنيه علي عمليات الإصلاح الفني رغم حصولها علي 23.6 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة. سادساً: تم عرض كثير من شركات قطاع الأعمال العام والمساهمات في الشركات المشتركة في وقت واحد، مما أدي إلي انخفاض أسعار بيع بعض الشركات أو عدم القدرة علي بيع البعض الآخر. سابعاً: كثرة القرارات والتعليمات المتعلقة بعملين وطرق البيع والتصرف في الحصيلة. وقد أثرت بعض القرارات علي دور الجهاز المركزي للمحاسبات كمؤسسة في إحكام رقابته علي عمليات البيع ومثال ذلك قراري رئيس الوزراء رقم 1684 لسنة 2004 ورقم 505 لسنة 2007. ثامناً: لم يعد للجهاز المركزي للمحاسبات دور يذكر في عملية الخصخصة أو مراجعة تقييم الشركات المطروحة للبيع للأسباب الآتية: 1 - قرار رئيس الوزراء رقم 1684 لسنة 2004 جعل مراجعة تقييم الشركات عن طريق لجنة يمثل فيها الجهاز بعضو منه وحظر علي العضو الرجوع إلي رئاسة الجهاز مما يجعل رأي العضو يمثل رأياً شخصياً له ولا يعبر بالضرورة عن رأي الجهاز. 2 - لم تعد اللجنة الوزارية للخصخصة قائمة بموجب هذا القرار والتي كان يرأسها رئيس مجلس الوزراء وعضوية مجموعة من الوزراء المعينين، بالإضافة إلي عضوية رئيس جهاز المحاسبات ومحافظ البنك المركزي ورئيس هيئة سوق المال ورئيس هيئة الاستثمار ورئيس هيئة الرقابة الإدارية. تاسعاً: صدور قرار رئيس الوزراء رقم 505 لسنة 2007 والذي جعل المعيار الاسترشادي عن تقييم أسهم الشركات هو الأخذ بمتوسط سعر الإقفال في البورصة خلال الأشهر الستة السابقة علي الطرح والتي لا تعبر دوماً عن القيمة العادلة للسهم نتيجة مضاربة كبار المستثمرين ومن ثم بيع الأصول المملوكة للدولة بأقل من قيمتها الحقيقية وذلك للأسباب التالية: > أن سوق البورصة في مصر ناشئ وغير مستقر وتتعرض بعض الأسهم المقيدة فيه للتقلبات في أسعارها نتيجة للمضاربات التي يقوم بها كبار المستثمرين المصريين والعرب والأجانب وبالتالي لا تعكس أسعارها الأسعار الحقيقية لأسهم الشركات. > إن الظروف المحيطة بالشرق الأوسط تؤثر سلباً علي أسعار هذه الأسهم وتؤدي إلي حدوث انخفاض حاد غير مبرر في هذه الأسعار لا يعكس الأداء الحقيقي للشركات. > في ضوء هذا القرار فإن العروض التي سيتقدم بها المستثمرون ستكون مساوية لمتوسط سعر الإقفال في البورصة وبالتالي تضيع فرصة المنافسة بين المستثمرين لتقديم عروض أفضل من سعر البورصة. > ألغي قرار رئيس الوزراء كل حكم يخالف أحكامه، مما أضعف دور اللجان المشكلة في الوصول إلي القيمة العادلة للشركات المطروحة للبيع وجعل المعيار الاسترشادي هو الأخذ بمتوسط الأسعار المتداول في البورصة والتي لا تعبر عن القيمة العادلة ومن ثم بيع الأصول المملوكة للدولة بأقل من قيمتها الحقيقية مما يمثل إهداراً للمال العام. ماذا بعد؟ إلي هنا ينتهي تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وتنتهي ملاحظاته حول برنامج الخصخصة والمطلوب تشكيل لجنة من جهاز المحاسبات والنيابة العامة والرقابة الإدارية لمراجعة ملفات بيع أصول قطاع الأعمال العام والتي تعرضت لعملية نهب وسرقة لم تشهدها في عصرها الحديث واسترداد حقوق الشعب من حرامية الخصخصة.