حسن عامر
ليست صدفة . بل قدر وإقتدار أن يحصل ثلاثة من المصريين علي نوبل في الآداب والعلوم والسلام .
وليست صدفة أن تكون نوبل الرابعة في الإقتصاد . وأن تكون من نصيب الدكتور محمود محي الدين ...
الأسباب التي رصدها البنك الدولي عند إختياره مديرا تنفيذيا ، هي نفس الأسباب التي تدعو جائزة نوبل .
يقول البنك الدولي : إن للدكتور محي الدين وجهات نظر ترقي الي مستويالنظرية علي مستوي التنمية والتحليل المالي وتوزيع عوائد الثروة الوطنيةبين الشرائح الإجتماعية المختلفة . كما إن له برامج عملية في مجال إصلاحالسياسات المالية والمؤسسات الإقتصادية .
وقد ساهم بما لديه من خبرة نظرية ، في مساندة إقتصاد بلاده ، وإبعادها عنلهيب الأزمة المالية الكبري ، التي حرقت آلاف المؤسسات ، وأثقلت كاهلالدول والمؤسسات المالية الدولية ، بما فيها البنك الدولي ذاته .
ويرصد البنك الدولي سلسلة من الدراسات الإقتصادية والمالية التي نشرها فيالدوريات الأكاديمية الموثقة ، واصفا إياها بالجاده والجديدة والملهمة .
لهذه الأسباب تم إختياره مديرا تنفيذيا للبنك الدولي ، من بين عشرات المرشحين الدوليين .
بعض المرشحين يحتل مراكز مرموقه في الهند واليابان وأوروبا وأمريكا اللاتينية .
أوراق محمود محي الدين كانت كاسحة ، وهي نفس الأوراق التي يمكن أن ترشحه لنوبل في الإقتصاد ..
هذا عن البنك الدولي .
تجربتي معه ، لا ترقي الي تقييم البنك الدولي . لكنها تجربة محرر يتابع الجوانب الإستثنائية في الشخصية التي يتعامل معها .
سافرت معه من الأسكندرية الي أسوان ، مرورا بالعامرية وكفر الداور وطنطا والمحلة الكبري وبورسعيد وأسيوط وبني سويف والمنيا .
طاقته علي العمل غير عادية . لا يكاد ينام . ولا نكاد نراه إلا في كامل طاقته .
في الأقصر مثلا عقد مؤتمرا تثقيفيا ، يسميه جوازا مؤتمر صحفي أو حلقة نقاشية ..
كان يتحدث عن إدارة الثروة الوطنية ، ومن بينها ثروة القطاع العام .
إستمر في الحديث والمناقشة حتي الساعة الرابعة صباحا . نام الصحفيين . وسقط بعضهم إعياءا من العمل ليل نهار .
قال ضاحكا : نستكمل المؤتمر غدا ..
تجمعنا في أتوبيس في الطريق الي قنا . وإستكمل الوزير المؤتمر أو الحلقةالنقاشية . وكتبت عن ذلك موضوعا بعنوان ( أول مؤتمر صحفي في أتوبيس سياحي) .
كان هذا حدث إستثنائيا في حياتي الصحفية أن أشارك في مؤتمر صحفي داخل أتوبيس سياحي ..
إنتهت مهمتنا الرسمية في قنا .
بعد الغذاء قال الوزير : من يريد أن يرافقني الي معبد دندره فليتفضل .
رافقه البعض علي سبيل المجاملة ..
رأيته يتوقف عند كل حجر وتمثال وعامود ومخطوط وزهرة لوتس . يسأل ويناقش ويلتهم المعلومات ويلتقط صورا يختار زواياها بنفسه .
تكرر المشهد في الأقصر وأسوان الي حد إنني قلت له من فرط التعب : هذا جزاء من يتابع أعمال وزير مثقف ..
أما عن الثقافة فقد أهداني الوزير كتابا بعنوان ( إثني عشر كتابا غيرتالعالم ) . يضم الكتاب عرضا لثروة الأمم وعرضا لرأس المال . وكان بينهاكتاب عن قواعد كرة القدم .
تساءلت بدهشة : هل كرة القدم غيرت العالم ..
أجاب الوزير : شوف اللي حاصل في العالم بسبب كرة القدم ، تعرف أن الكاتب صادق في إختياره ..
ربما لا أستطيع رصد كل إنجازاته في وزارة الإستثمار .
لكنني أقول بكل إطمئنان : إن هذا الرجل أنقذ القطاع العام من ورطتين طاحنتين ( الديون والخصخصة ) .
محمود محي الدين ترك لنا قطاعا عاما غير مدين بمليم واحد . وقطاعا عاما قادرا علي البقاء ، دون حاجة الي الخصخصة أو الخلاص منه .
ياخساره هذه التركة العظيمه لن يستطيع أحد أن يصونها . أو يديرها بنفس الكفاءة والأمانه والمسؤولية .
ربما أقترح علي الدكتور محي الدين أن يقدم محاضرة تذكارية قبل أن يغادر مصر .
محاضرة يرصد فيها تجربته كباحث وأستاذ ورجل سياسة ووزير . وأن يقدم لنا توصياته لإدارة موارد الثروة الوطنية ..