لا
شك في أن بيوتنا في حاجة إلى لمسة رومانسية وتعامل رومانسي وعاطفة
رومانسية، خاصة في ظل قسوة الحياة، والتي تعمل على تجفيف منابع العاطفة من
حيث لا ندري، ولا شك أن المسلسلات التركية هيضت المشاعر، وأن كانت في
حقيقتها تصل إلى درجة الانحطاط الأخلاقي، لكن في مقامنا هذا الحديث ينصب
حول العاطفة التي أصبحت الشغل الشاغل، ولعل ما يؤخذ عليها الرغبة في القفز
بها إلى مصاف الخيالية
دعونا نكون أكثر واقعية في حديثنا عن الرومانسية، من أكثر قرباً لها ومن
أكثر بعداً عنها سواء في طبيعة المرأة أو الرجل ؟! فما يميز الرجل من
خصال، مثل رباطة الجأش والصبر والجلد عند الشدائد، لها انعكاساتها على نمط
حياته وسلوكه وطبيعة تصرفاته ومشاعره بشكل عام، وعندما تذكر المرأة يذكر
معها الحنان والرقة في الاحاسيس والمشاعر واللطف في التعامل، وقد وصفهن
الرسول صلى الله عليه وسلم ( بالقوارير ) كأبلغ تعبير عن الرقة.
إذن وفق هذه المعادلة، فإن الرومانسية أكثر ما تتجلى في سلوك المرأة،
وأكثر ما تتضاءل في سلوك الرجل، وعليه من هو الأولى والأقدر على استحضار
الرومانسية لبيت الزوجية ؟! أترك الأجابة للقارىء !
هل تذكرون قصة المرأة التي أرادت أن يحبها زوجها، ولجأت إلى أحد السحرة،
فطلب منها إحضار شعرة من رأس الأسد، عادت بعد شهرين وفي يدها ما طلب، شعرة
من راس أسد وحش مفترس، استطاعت بأسلوبها وكيدها في شهرين أن يألفها هذا
المتوحش، وأن تهذب وحشيته وتحوله إلى حيوان أليف ووديع، فلماذا لم تفعل
ذلك مع زوجها ؟!
هذه خلاصة تصرفات الكثير من الزوجات في محاولتهن لإضفاء جو من الرومانسية
في بيت الزوجية، سواء بالترتيبات التي تتم في الغرف، والتي يبادر بعض
الرجال بوصفها ( ؟؟؟؟ ) فما المانع من دغدغة عواطف أزواجهن ببعض الكلمات
العاطفية غير المعهودة وغريبة على مسامعهم بعد سنوات من الرتم المعيشي
التي لا نصيب فيها من هذه المفردات، وما أن يكون رد الفعل من الزوج بشيء
من السلبية، يواجهه برد آخر أسرع منه من قبل الزوجة المبادرة، إذ سرعان ما
تتراجع عنها الزوجة، وتعود لحالتها السابقة، متجاهلة طبيعة الزوج (الأسد)
والذي لم يألف هذه الرومانسية، وكأن على الزوج الامتثال بسرعة لهذه
الرومانسية، وتتصور أنه في اليوم التالي ستجد زوجها حالق الشنب وداخل
عليها وفي يده وردة حمراء استجابة لرومانسيتها !!
أو أن تحاول بعض الزوجات استنطاق كلمة (أحبك) وهي من أشد الكلمات التي
تتوق إليهن، خاصة كما ذكرنا سابقاً تأثير المسلسلات التركية، وهذه الكلمة
من حيث الواقع يجد معظم الرجال صعوبة في لفظها، لأسباب عدة قدر تكون
مرتبطة بالتربية الأسرية مرتبطة بصورة هذه المفردة السلبية التي تناولت
الحب بشكل مقزز، ومع ذلك هناك من يستجيب - رعاية لمشاعرها - لمطلب الزوجة
بنطق هذا اللفظ، لكنه يتفاجأ برد فعلها بالقول : ( أنت تحبني حب عشرة بس )
هنا تتضاعف الصدمة لدى الزوج، وكأن مطلوب منه أن يتقمص شخصية ( مجنون ليلى
) فهو
وقد يشعر الزوج للوهلة الأولى بشيء من الصدمة لهذا التحول وهذا التغير
الرومانسي الذي طرأ على زوجته، لذلك تدور في مخيلته اسئلة - - مالذي تريده
هذه الزوجة، وما الذي تخطط له ؟!
فبالتالي يحاول هو الآخر التحول في شخصيته
لا أخفي حاجتنا في مجتمعاتنا لشيء من الرومانسية والملاطفة في المعاملة
والتعبير، لكن ليس بهذا الأسلوب الذي يتصورنه والذي ترسخ في خيالهن من
المسلسلات التركية، والتمخطر في الأماكن العامة وكل منهم ماسك يد الآخر -
صعبة - فلا ينبغي تجاهل أن الزوج المصري على وجه التحديد ابن بيئته التي
تربى فيها، فهو لم يعش في بيئة رومانسية - مقطعة بعضها - وكأن أبوه داخل
على أمه بوردة، وطالع بقبلة وداعية عند الباب !
«وجعلنا بينكم مودّة ورحمة»:
الصحيح والواقع أن معظم البيوت تعيش على هذه الاية الكريمة ( المودة
والرحمة ) بين الزوج وزوجته وبين الوالدين والأبناء، والرومانسية جانب
متطور في حياة هذه الأسرة، وقد تتصاعد وفق ما قدر الله بينهما من تجانس،
وقد لا تجد طريقها إليهم، ولكن الحياة تسير، أما الرغبة في (الحب) المفعم
بالعاطفة الجياشة التي لا تخبو مع مرور الوقت ولا مع مضي العمر فهذه من
أسرار القلوب، وسبحان مقلبها كيفما شاء !
وللتوضيح عندما رأى أمير المؤمنين ليلى التي أحبها قيس ابن ملوح، ولم يجد
فيها من الجمال ما تسامعت به العرب من شعر قيس في وصفها، قال لها : بماذا
جن جنونه وليس فيك ما يستحق المدح، فردت عليه، لأن عينيه ليست في رأسك !