جيش المسيح ،شباب الأقباط يهددون بتكوينه بالصعيد انتقاماً من الأمن لأحداث العمرانية جيش المسيح شباب الأقباط يهددون بتكوينه في الصعيد انتقاماً من الأمن بعد أحداث العمرانية
جيش المسيح
الشباب الصعيدي الذين يتبادلون كليبات استعراضية لمجموعات جيش المسيحالغربية يجب ألا يسيطر عليهم الغضب من أحداث العمرانية....فالعنف لن يولدإلا عنفا
الكنيسة يجب أن تقف مع نفسها وقفة صريحة..فهي تعلن أنها ترفض العنف....رغم أن صورة الشباب إلي جوار متياس نصر منقريوس الذين يرتدون تيشرتاتعليها صليب ومسدس تقول عكس ذلك.
البابا شنودة قال علي قناة «أغابي» إنه لا يجب أن يقابل العنف بعنف...لكنالشائعات طاردته بأنه قال سنقابل العنف بعنف..لأن هناك من يري أن البابايحرض أحيانا علي الغضب
لم تكن الكلمة جديدة علي أذني.
فبعد أن قرر مجموعة من المتنصرين أن يؤسسوا قناة تبشيرية في المهجر،لمساندة من يريد أن يتنصر داخل مصر ولا يستطيع أن يجاهر بما يريده، كانهناك تأييد مطلق لخطوات هؤلاء المتنصرين، ومن بين التعليقات الكثيرة التيلفتت انتباهي علي هذا الخبر عبر مواقع الإنترنت، جملة احتفظت بها، وأعتقدأنني دونتها في أجندتي الخاصة وهي:"إلي الأمام يا جيش المسيح".
أعجبني التعبير الذي اعتبرته وقتها تعبيرا مجازيا وحماسيا لا أكثر ولاأقل، لكن هذا الإعجاب تحول إلي فزع بعد أن عاد "جيش المسيح" يطل برأسه بعدأحداث كنيسة العمرانية الأخيرة، التي شهدت للمرة الأولي في تاريخ الكنيسةمواجهات عنيفة ومسلحة بين الأمن وآلاف من الأقباط رفضوا أن تتحرك قواتالأمن لتنفيذ تعليمات رئيس حي العمرانية بإزالة المخالفات في المبنيالإداري الذي تحول في غفلة من الجميع إلي مبني كنسي.
ليست المرة الأولي للمصادمات والعنف المتبادل بالطبع، فمسلسل المواجهاتبين الأقباط والأمن ثم بين الأقباط والمسلمين لا ينتهي بسبب وأحيانا كثيرةدون سبب، ولكنها المرة الأولي التي تكشف فيه مجموعات من الأقباط عنأنفسهم، ويبدأون هم الهجوم وقطع الطريق ومحاصرة محافظة الجيزة، في تعبيرواضح عن غضبهم من الاقتراب من مبني في النهاية به مخالفات قانونية.
بعد أحداث العمرانية عاد التعبير مرة أخري "إلي الأمام ياجيش المسيح"...لكنه هذه المرة لم يكن حماسيا مجازيا فقط، بل أصبح دعوة إلي تكوين جيشمسلح ومجهز ومعد، للانتقام من رجال الأمن الذين قتلوا وأصابوا وجرحواالأقباط وحاصروهم لا لشيء إلا لأنهم أرادوا أن يبنوا كنيسة ....هي فيالنهاية دار عبادة لا أكثر ولا أقل.
الدعوة خرجت من الصعيد هذه المرة
رسائل علي الهواتف المحمولة، وتعليقات علي مواقع التواصل الاجتماعي، وعبرمصادر تواصلت معها تعليقا علي الأحداث، وجدت أن هناك دعوة بالفعل لأن يقومالشباب في الصعيد بتكوين مجموعات، يكونون علي استعداد لتقديم أنفسهم فداءللكنيسة، علي أن تكون المهمة الأولي لهذه المجموعات، التي ستطلق علي نفسها«جيش المسيح» هو الانتقام من رجال الأمن الذي لم يرحموا الأقباط فيالعمرانية.
من يروجون لهذه الفكرة يستعينون بمقاطع فيديو من احتفالات أقيمت في لندنأواخر 2007 وبدايات 2008، تظهر فيها مجموعات من الشباب والبنات يرتدونتيشرتات سوداء عليها صليب باللون الأحمر، ويقومون باستعراض أنفسهم فيالشوارع عبر أجواء احتفالية.
لا توجد أي معلومات عن هذه الاحتفالات، ولا عن هذه المجموعات التي يمكن أنتكون في النهاية تجمعات عادية لشباب يقومون بعمل خيري، لكن هنا في مصروبعد أحداث العمرانية يتم توزيعها مشفوعة، بأن هؤلاء الشباب هم جيش المسيحفي أوروبا، وهي مجموعة تتلقي تدريبات لمواجهة أي اعتداء علي الكنائس، وكأنمن يقومون بتوزيع هذه الفيديوهات يعتبرون مجموعات الشباب الأوروبي قدوةلهم، فهم ليسوا أقل منهم، وإذا كان هؤلاء الشباب يدافعون عن المسيحية فيالغرب، فليس أقل من أن يقوم شباب الصعيد بالدفاع عن الكنيسة والمسيح فيمصر.
ليس صعبا أن نعرف سبب الدعوة لتكوين جيش المسيح في الصعيد، دع عنك الأحداثالطائفية الكثيرة التي وقعت في محافظات الصعيد خلال السنوات الماضية، وكانآخرها مقتل شباب الأقباط ليلة عيد الميلاد، ولكن لأن قتلي أحداث كنيسةالعمرانية - وهما اثنان حتي الآن - من الصعيد، ومن قرية واحدة هي الحرجةبالقرعان مركز البلينا بسوهاج، وهما ميخائيل مبارك ميخائيل - 24 سنةوشهرته ملاك - والثاني متاريوس جاد شاكر - 19 سنة.
ثم إن عددا كبيرا من الضحايا الذين جرحوا - هناك إصابات حادة وبالغةبالفعل لا يزال أصحابها يتلقون العلاج سواء في مستشفي أم المصريين بالجيزةأو بعد ترحيلهم إلي سجن طره- من الصعايدة.
والسؤال: ما الذي جاء بكل هؤلاء الصعايدة إلي العمرانية؟
والإجابة ببساطة أنه عندما نعرف أن منطقة فيصل والهرم معظمها من الصعايدة،فلن يكون غريبا أن يوجد كل هذا العدد من الصعايدة في منطقة العمرانية، وفيإشارة من أحد الكهنة الأقباط إلي أن الصعايدة الذين تواجدوا في أحداثالعمرانية لم يكونوا متظاهرين ولا ثائرين ولا مخربين، بل كانوا من بينمجموعات الشباب التي تترك الصعيد بحثا عن لقمة العيش، وقد عملوا في بناءالكنيسة بالأجر، مثلهم مثل غيرهم.
ولذلك فإن يقوم شباب من الصعيد مستغلين كل وسائل التكنولوجيا الحديثة فيالدعوة للثأر مما جري، وهو ثأر ليس نزولا علي العصبية القبلية أو العرفالاجتماعي في الصعيد فقط، ولكنه سيكون للعصبية المسيحية الطائفية، فالدعوةليست لجيش الصعيد، ولكنها لجيش المسيح.
الغريب أن البابا شنودة نفسه عندما علق علي أحداث العمرانية، لام عليأجهزة الأمن أنها لم تراع أن الموجودين في الكنيسة وفي المنطقة منالصعايدة، والصعايدة دمهم حامي، وكأن هذا يمكن أن يكون مبررا للخروج عليالقانون، أو التصعيد بالعنف إلي أقصي مدي لفرض الأمر الواقع.
هذا المنطق الذي ساقه البابا شنودة لتبرير العنف صحبته تصريحات أخري منالبابا، يمكن اعتبارها مدداً غير مقصود لكل ما يفكر فيه شباب الأقباط منأعمال عنف، بل إن فكرة جيش المسيح التي لا تزال نظرية حتي الآن، يمكن أنتستمد شرعيتها -عند هؤلاء الشباب- من كلام البابا حتي لو لم يقصده.
في عظته الأسبوعية الأربعاء الماضي وهو اليوم الذي شهد بدايات وتصاعدأحداث العمرانية، لم يعلق تعليقا صريحا علي ما جري، لكن كان ما قاله لقناةأغابي ـ القناة الرسمية والمتحدثة بلسان الكنيسة ـ من تصريحات بعد العظة،بداية لأن يوضع البابا في دائرة ضيقة جدا عنوانها «العنف».
كان تصريح البابا شنودة للقناة أنه لا يجب أن نقابل العنف بعنف، لكن هذاالتصريح تم تحريفه علي الفور، وتم تداوله، بأن البابا قال في عظته إنه:عنف بعنف، والفارق كبير بين التصريحين بالطبع، لكن سوابق البابا شنودة فيالتعامل مع مثل هذه الأحداث جعل الذهنية العامة تتقبل أنه يقول هذا الكلامولا تستبعده أو تستنكره - رغم أن البابا فعلاً - يسلك سياسة التهدئةدائماً.
تصريح البابا لأغابي يمكن تحميله علي أكثر من محمل، منها مثلا أنه لا يجبأن يقابل الأقباط عنف أجهزة الأمن تجاههم بعنف مماثل، خاصة أن المسيحيةتدعو إلي التسامح .."وإذا ضربك أخوك علي خدك الأيمن فأدر لهالأيسر"...ويمكن أن يتم تحميل التصريح علي أن البابا كان يدعو الأمن لأنيكون واسع الصدر ولا يقابل عنف الأقباط الذي بدا واضحا - تؤكده الصوروالفيديوهات - بعنف مماثل، وهنا وكأن البابا شنودة يقلب الآية فإذا ضربكأخوك علي خدك الأيمن...فاضربه علي الأيمن والأيسر وبالمولوتوف أيضا.
إن العنف القبطي ليس مؤجلا للفكرة التي يطرحها شباب الأقباط في الصعيدالآن، ولم يبدأ أيضا بأحداث العمرانية، فله تاريخ طويل - رغم أن الجميع فيالكنيسة ينكرونه - إلا أن هذه قضية أخري، يمكن أن نعود إليها فيما بعد.
لكن علي الأقل لابد أن نتوقف أمام مشهدين مهمين جدا، الأول هناك في كنيسةعزبة النخل التي يتولي أمرها الكاهن متياس نصر منقريوس، وهو رجل يجيدالتعامل مع الإعلام، ولا يكف عن إقامة الاحتفالات التي يندد بها بكل مايواجهه الأقباط، ويعظم من أمر الاضطهاد الذي يلاقيه الأقباط في مصر ليلنهار.
في واحدة من هذه الاحتفالات التي لا تكف كنيسة عزبة النخل عن إقامتها،التقطت الكاميرا صورة للقمص متياس أمام الميكروفون وهو المكان المفضل لهفيما يبدو، وإلي جواره مجموعة من الشباب، كل منهم يرتدي تيشرت أسود، وعليصدره مرسوم الصليب وإلي جواره مسدس.
هذا المشهد ورغم سبقه لأحداث العمرانية إلا أنني لا أستطيع أن أتغافل عنمقارنته بشباب أوروبا الذين يبدون في الفيديوهات التي يوزعها شباب الصعيدداعين من خلالها إلي تكوين جيش المسيح، فهم أيضا يرتدون تيشرتات سوداءوعليها صليب أحمر، وهنا الشباب المصري المناصر لمتياس يضيف إلي الصليبمسدساً في إشارة واضحة إلي العنف، ولا يستطيع متياس أن ينكر أنه يحرض عليالعنف، فعشرات التسجيلات الموجودة علي اليوتيوب تثبت ذلك.
المشهد الثاني كان في كنيسة العمرانية، سأسلم لكلام كاهن الكنيسة الذي قالإن كل الشباب الصعيدي الذي كان موجودا في كنيسة العمرانية، إنما جاء إليالبناء مقابل أجر، وأنهم خرجوا من بلادهم لضيق ذات اليد، طالبين العون منالقاهرة، لكن من أين لهؤلاء الشباب كل هذا السلاح الذي استخدموه.
يمكن أن نتغاضي عن السلاح الأبيض من السنج والمطاوي والسكاكين والحجارةالتي ألقيت علي سيارات الشرطة، فالسلاح الأبيض موجود بكثرة في المنطقة،لاحظوا أننا نتحدث عن العمرانية وهي من مناطق الجريمة والخطر في الأساس،والحجارة لن يعجز أحد عن العثور عليها في أي شارع من شوارع مصر المتهدمة.
لكنني أشير إلي قنابل المولوتوف التي تم استخدامها ورصدتها تقارير رسمية،إستخدام هذه القنابل لا يعني سوي شيء واحد، هو أننا أمام عمل منظم ولم يكنعابرا بالمرة، بل جلس شباب الأقباط وخططوا واتفقوا علي خطة لمواجهة جحافلالأمن التي جاءت لتنفذ القانون، وليس بعيدا أن يكون الشباب الذي خرجليواجه الأمن وألحق به إصابات كان هو الآخر ملهما لمن يخططون الآن إليتأسيس جيش المسيح.
قد تكون هذه الدعوة - لتأسيس الجيش - رد فعل نفسي علي ماجري، مجموعة منالشباب لا تريد أن تعترف بأن الأقباط يمكن أن يرتكبوا خطا ولو عابرا، رأواأن الأمن يقتل ويجرح ويدمر ويريد أن يهدم بيت الله ودار العبادة، فلم يكنأمامهم إلا أن يفكروا في طريقة يردوا بها أذي الأمن ويحموا بها دين المسيح.
وقد تكون محاولة للتعبير عن الغضب في النفوس القبطية، التي لا يستطيعأصحابها أن يقيموا كنيسة إلا بعد إجراءات معقدة وصعبة وغير إنسانية، وقدتكون تعبيرا عن حالة من الإحباط العامة، لأوضاع لا تتعلق بالكنيسة وحدها،بل تتعلق بالشأن العام المصري.
لكن في النهاية لا يجب التقليل من شأن هذه الفكرة ولا من شأن من يدعون لهاأو يسربون لمضمونها، لقد تهاوننا مع الفتن الطائفية حتي أصبحت مقررا يوميانعاني منه ولا نعرف له حلا.
إننا نشير إلي بيت حيات يمكن أن يواجهنا بعد ذلك، خاصة أن الفكرة يمكن أنتجد من يلتقطها ويعظمها، وهناك ما يساندها من كلام الكنيسة الرسمي، الذياعتبر أن قتلي أحداث العمرانية شهداء ولا يجب التفريط في دمائهم وأن دمهملن يضيع - لاحظ دلالة التصريح والتعبير - وهناك ما يدعمها سياسيا خاصة أنالأقباط مقتنعون أن المسلمين يريدون طردهم جميعا من مصر، ولابد منالمقاومة.
ما نقوله هنا ليس تهديدا بالمرة لأحد، لكنها صرخة أو جرس إنذار، فالبديلخطير ومفزع، وكفانا ما فعلته فينا الجماعات الإسلامية المتطرفة لسنواتطويلة، فلسنا مستعدين لأن نتحمل معركة أخري مع جماعات قبطية متطرفة...أمهناك من يستفيد مما يجري وسيسكت علي ما يجري حتي نجد أنفسنا علي
الصليب والمسدس على قمصان شباب الكنيسة
جريدة الفجر