مشاركة مصر في كشف الضر الذي نزل بالجزيرة العربية (عام الرمادة) عندالتحدث عن عام الرمادة في عهد عمر، لا بد من الإشارة إلى أن السياسة(الحكم) والاقتصاد (المالية) ركنان مهمان ومتلازمان من أركان الدولةالقوية والناجحة. وما حصل في عام الرمادة في عهد عمر، هو أزمة قاسيةلاقتصاد الدولة الإسلامية الفتية. وعام الرمادة-والرمادة في اللغة الهلكة- هو البلاء والحدث الجسيم الذي فاجأ عمر، وهوفي صدد بناء الدولة الإسلامية الناشئة. ففي سنة 18هـ، حصل في الجزيرةالعربية قحط دام تسعة أشهر، فسميت هذه السنة عام الرمادة؛ لأن الريح كانتتسفي ترابًا كالرماد، أو لأنه هلكت منه الناس والأموال. واشتد الجوع فيذلك العام حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاةفيعافها من قبحها.
وأصبحتالجزيرة العربية جدباء قاحلة، لا ماء ولا مرعى، ولا ماشية ولا طعام. وجاعالناس، وأحسَّ عمر بجوع رعيته، ونهض لهذه الكارثة نهوضه لكل خطب، فأقسمألا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يكشف الله الضر، وقال: كيف يعنيني شأنالرعية إذا لم يصبني ما أصابهم؟! وبدأ عمر بمواجهةالمشكلة داخليًّا متجهًا إلى الله عز وجل، وإلى الأغنياء والموسرين منرعيته، واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد من قوت، وجعل يحمله على ظهره معالحاملين إلى حيث يعثر على الجياع والمهزولين العاجزين عن حمل أقواتهم،وآلى على نفسه وأهله لا يأكلون طعامًا أنقى من الطعام الذي يصيبه الفقيرالمحروم من رعاياه. وعن ابن عمر: "كان عمر بن الخطابأحدث في زمان الرمادة أمرًا ما كان فعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء ثميخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتيالأنقاب فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعلهلاك أمة محمد على يدي". ولم يقتصر عمر في مواجهةالأزمة على الالتجاء إلى الله فقط، بل كتب إلى الولاة والعمال في سائرالأمصار يطلب منهم النجدة والعون، يستعينهم ويستغيثهم لأهل المدينة ومنحولها، وكانت كتبه إليهم قصيرة، عميقة التأثير، منها رسالته إلى عمرو بن العاص والي مصر: "بسمالله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص،سلام عليك. أما بعد، أفتراني هالكًا ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك؟فياغوثاه! يا غوثاه! يا غوثاه!". فرد عمرو بن العاص والي مصر إلى عمر "بسمالله الرحمن الرحيم. إلى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بنالعاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو. أما بعد،أتاك الغوث فلبيك لبيك، لقد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي، معأني أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر". فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء. وكتبإلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام يقول: إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينامن الطعام بما يصلح قِبَلَنَا؛ فإنهم قد هلكوا إلا أن يرحمهم الله. فأرسلمعاوية ثلاثة آلاف بعير من دمشق، وقدم أبو عبيدة بن الجراح من حمص بأربعة آلاف راحلة محملة بالطعام.
حفر خليج أمير المؤمنين يعتبرحفر خليج أمير المؤمنين من الأعمال العمرانية العظيمة التي قام بها عمروبن العاص t في مصر، فعن طريقه تم ربط النيل بالبحر الأحمر بحر القلزم وشبهالجزيرة العربية، ولكن الروايات تختلف في شأن صاحب الفكرة الأولى في حفره. فقدذكر ابن عبد الحكم في كتابة فتوح مصر والمغرب: أن عمر بن الخطاب كتب إلىعمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدمواعليه، فقال عمر: "يا عمرو، إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرةالخير والطعام، وقد ألقى في رُوعي؛ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين،والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين،أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حملالطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ منه ما نريد،فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم." فانطلقعمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر، فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالوا: نتخوفأن يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقولله: إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً. فرجععمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: "والذي نفسي بيده، لكأني أنظرإليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقلذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك علىأمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون ولا نجد إليهسبيلاً". فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت. فقالله عُمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليكالحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ مابلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له:خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم، فلم يأتِ الحول حتى جرتفيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلكأهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين.
التسامح الديني وهذاجانب جديد من جوانب النزعة الإنسانية في حضارتنا الخالدة، جديد في تاريخالعقائد والأديان، وجديد في تاريخ الحضارات القديمة التي ينشِئُها دينمعين أو أمة معينة، لقد أنشأ الإسلام حضارتنا فلم يضق ذرعًا بالأديانالسابقة، ولم يتعصب دون الآراء والمذاهب المتعددة، بل كان شعاره {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18]. ومن أجل ذلك كان من مبادئ حضارتنا في التسامح الديني: 1- أن الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد: {شَرَعَلَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْأَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]. 2- وأن الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة، وأن على المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعًا: {قُولُواآَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِوَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْرَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136]. 3- وأن العقيدة لا يمكن الإكراه عليها، بل لا بد فيها من الاقتناع والرضا {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين} [البقرة:256]، {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين} [يونس:99]. 4- وأن أماكن العبادة للديانات السماوية محترمة، يجب الدفاع عنها وحمايتها كحماية مساجد المسلمين {وَلَوْلاَدَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُوَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج:40]. 5-وأن الناس لا ينبغي أن يؤدي اختلافهم في أديانهم إلى أن يقتل بعضهم بعضًا،أو يعتدي بعضهم على بعض، بل يجب أن يتعاونوا على فعل الخير ومكافحة الشر {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة:2]. أما الفصل بينهم فيما يختلفون فيه، فالله وحده هو الذي يحكم بينهم يوم القيامة: {وَقَالَتِالْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىلَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُبَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113]. 6-وأن التفاضل بين الناس في الحياة وعند الله بمقدار ما يقدم أحدهم لنفسه،وللناس من خيرٍ وبِرٍّ "الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله"(رواه البزار)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. 7- وأن الاختلاف في الأديان لا يحول دون البر والصلة والضيافة {الْيَوْمَأُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَحِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْقَبْلِكُمْ} [المائدة:5]. 8- وإن اختلف الناس في أديانهم، فلهم أن يجادل بعضهم بعضًا فيها بالحسنى، وفي حدود الأدب والحجة والإقناع {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]. ولا تجوز البذاءة مع المخالفين، ولا سب عقائدهم ولو كانوا وثنيين {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]. 9- فإذا اعتدى على الأمة في عقيدتها، وجب رد العدوان لحماية العقيدة ودَرْءِ الفتنة {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، {إِنَّمَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِوَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْتَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة:9]. 10-فإذا انتصرت الأمة على من اعتدى عليها في الدين، أو أراد سلبها حريتها،فلا يجوز الانتقام منهم بإجبارهم على ترك دينهم، أو اضطهادهم في عقائدهم،وحسبهم أن يعترفوا بسلطان الدولة، ويقيموا على الإخلاص لها حتى يكون "لهمما لنا وعليهم ما علينا". هذه هي مبادئ التسامح الدينيفي الإسلام الذي قامت عليه حضارتنا، وهي توجب على المسلم أن يؤمن بأنبياءالله ورسله جميعًا، وأن يذكرهم بالإجلال والاحترام، وأن لا يتعرض لأتباعهمبسوء، وأن يكون معهم حسن المعاملة، رقيق الجانب، لين القول، يحسن جوارهم،ويقبل ضيافتهم، وأوجب الإسلام على الدولة المسلمة أن تحمي أماكن عبادتهم،وأن لا تتدخل في عقائدهم، ولا تجور عليهم في حكم، وتسويهم بالمسلمين فيالحقوق والواجبات العامة، وأن تصون كرامتهم وحياتهم ومستقبلهم كما تصونكرامة المسلمين وحياتهم ومستقبلهم. وعلى هدي الرسولالكريم في تسامحه الديني ذي النزعة الإنسانية الرفيعة، سار خلفاؤه منبعده، فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب وقد شكت إليه امرأة مسيحية من سكان مصرأن عمرو بن العاص قد أدخل دارها في المسجد كرهًا عنها، فسأل عَمْرًا عنذلك؛ فيخبره أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم، وفي جواره دار هذهالمرأة، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترضَ، مما اضطرعمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المالتأخذه متى شاءت. ومع أن هذا مما تبيحه قوانينناالحاضرة، وهي حالة يعذر فيها عمرو على ما صنع، فإن عُمر لم يرضَ ذلك، وأمرعَمرًا أن يهدم البناء الجديد من المسجد، ويعيد إلى المرأة المسيحية دارهاكما كانت!! هذه هي الروح المتسامحة التي سادت المجتمع الذي أظلتهحضارتنا بمبادئها، فإذا بنا نشهد من ضروب التسامح الديني ما لا نجد لهمثيلاً في تاريخ العصور حتى في العصر الحديث!! ومنمظاهر التسامح الديني أيضًا أن كانت المساجد تجاور الكنائس في ظل حياتناالخالدة، وكان رجال الدين في الكنائس يعطون السلطة التامة على رعاياهم فيكل شئونهم الدينية والكنسية، لا تتدخل الدولة في ذلك، بل إن الدولة كانتتتدخل في حل المشاكل الخلافية بين مذاهبهم، وتنصف بعضهم من بعض، فقد كانالملكانيون يضطهدون أقباط مصر في عهد الروم ويسلبونهم كنائسهم، حتى إذافتحت مصر ردَّ المسلمون إلى الأقباط كنائسهم وأنصفوهم. أماحرية رجال الدين في طقوسهم، وإبقاء سلطاتهم على رعاياهم دون تدخل الدولةفي ذلك، فقد شعر المسيحيون من سكان البلاد بالحرية في ذلك ما لم يشعرواببعضه في حكم الروم.
- ابن عمرو بن العاص والقبطي يذكر ابن عبد الحكم أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب t،فقال له: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم. قال: عذت معاذًا. قال:سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابنالأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه هو وابنه، فقدما، فقالعمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب. فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر: اضربابن الأكرمين. قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنهحتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: ياأمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرو:مُذ كَمْ تعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟! قال: يا أميرالمؤمنين، لم أعلم ولم يأتني.
وثيقة الصلح مع أهل مصر كانت وثيقة الصلح التي عقدها عمرو بن العاص t مع أهل مصر إحدى مظاهر التسامح الديني، فقد تمتع المصريون من خلالها بحرية دينية كاملة لم يعهدوها من قبل، وهذا نص الوثيقة: "بسمالله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر، الأمان علىأنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيءمن ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذااجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنىلُصوتُهم (جمع لِصْت، وهو اللص)، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رُفِعَ عنهمالجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى،رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهموعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أويخرج من سلطاننا، عليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم،على ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمته وذمة رسوله، وذمة الخليفة أميرالمؤمنين، وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذارأسًا، وكذا وكذا فرسًا، على ألا يُغْزَوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولاواردة. شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر". وتبرز من خلال هذه الوثيقة مجموعة من المعطيات المهمة: 1- ضمان الحرية الدينية، والتعهد بحماية ممتلكات الكنائس والأديرة. 2-ربط قضية الجزية بالقدرة على دفعها، فإذا كانت السنة خيرة بعطائها الزراعيتمَّ دفع الجزية بحسب ما هو مقرر "خمسين مليون"، أما إذا كان الفيضانضعيفًا وكان الإنتاج الزراعي قليلاً تمَّ تخفيض الجزية بما يعادل "إجدابالأرض وضعف إنتاجها". 3- تقسيم الجزية على ثلاثة أقساط بما يتوافق والتكوين الاقتصادي للإقليم. 4- إعطاء الأمان لمن يرفض دفع الجزية حتى يغادر أرض مصر. 5- شمول الجزية لمن يريد المصريون إدخاله في الجزية من أبناء الشعوب الأفريقية التي لم يفتح المسلمون بلادهم. 6- إسقاط واجب الحرب عن المواطنين ممن يدفعون الجزية. 7- إطلاق الحرية التجارية وحرية التنقل دون قيود. 8- إعطاء ذمة الله ورسوله.