وحينما وصل إلى الدرجة النهائية لتدرجه إلى مقام النبوة صرح بآخر تفاصيل
الخطة، التي أعلن فيها نبوته،وراهن على صدق نبوته وصدق نفسه أنه نبي،ومن
هنا انطلق آخذاً في اعتباره أن يغطي الإسلام برداء نبوته الجديدة،وأن يتحول
المسلمون على مر الزمن من الإسلام الذي ارتضاه الله لنبيه محمد ومن اتبعه
إلى يوم القيامة أن يتحولوا إلى القاديانية فتصبح قاديان بدلاً من مكة
والمدينة وبيت المقدس، وتنتقل مهوى الأفئدة إلى قاديان، ويصبح زيارة مسجد
القادياني والسلام على القادياني بدلاً عن زيارة المسجد النبوي والسلام على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصبح تعاليم القادياني بديلة لتعاليم
القرآن الكريم والسنة النبوية إلى آخر ما كان يهدف إليه، إلا أنه تميز عن
الرسل بخاصية لا توجد فيهم وهي:
أن الرسل كانوا يفرحون بأخذ النبوة ويتقبلونها بلهفة، بينما هو تقبلها رغم
كراهيته لها وإيثاره الخمول على الشهرة، وهذا في قوله:
((كنت أحب أن أعيش مكتوماً كأهل القبور، فأخرجني ربي على كراهيتي من
الخروج، وأضاء اسمي في العالم مع هربي من الشهرة والعروج، ولبثت عمراً
كالسر المستور أو القنفذ المذعور...ثم أعطاني ربي ما يحفظ العدا)).
ألقى إمام مسجده-ويسمى عبد الكريم- خطبة الجمعة معلناً فيها أن الغلام صار
نبياً رسولاً؛ لا يؤمن بالله من لا يؤمن به. وحصلت المفاجأة واندهش المصلون
لهذا الحدث الغريب، وحصل الجدال والنقاش بين هذا الخطيب وبين المسلمين
الذين ما كانوا يعرفون عنه إلا أنه عالم ومجدد , فعاد عبد الكريم وألقى
خطبة أخرى في هذا المعنى في الجمعة الثانية، والتفت إلى الغلام أحمد وقال
له: ((أنا أعتقد أنك نبي ورسول فإن كنت مخطئاً نبهني على ذلك، ولما قضيت
الصلاة وهمّ الميرزا بالانصراف أمسك الخطيب عبد الكريم بذيله وطلب منه
توضيح هذا الأمر، فأقبل إليه الميرزا قال: ((هذا الذي أدين به وأدعيه))،
فارتفعت الأصوات بالنقاش فخرج الميرزا من بيته وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ﴾.
ومن هنا شمر عن ساعد الجد في دعوى النبوة بل وتحدى على ذلك، وأنه نبي مرسل
من الله صاحب شريعة، وكفّر جميع من لا يؤمن به وأثبت لنفسه أنه رسول من
الله ، وأنه نبي سماه الله بذلك حسب قوله: ((سماني الله نبياً تحت فيض
النبوة المحمدية، وأوحى إليّ ما أوحى)) , وبعد أن صرح بالنبوة أخذ يتدرج
أيضاً في تلطفه مع المخالفين إلى أن جاء الحكم الأخير عليهم بالكفر والنار ,
ثم جاءت الفترة النهائية وفيها الشدة والغلظة على المخالفين، وإخراجهم من
الملة إن لم يدخلوا في دينه بخلاف من مات قبل مجيئه، وهناك نصوص كثيرة في
دعوى تجسد محمد بالغلام في قاديان وظهوره مرة أخرى داعياً إلى الإسلام
ونشره من جديد، منها:
((أن الله قد أنزل محمداً مرة أخرى في قاديان لينجز وعده)) , وعلى أساس
هذا المفهوم، فكل من أنكر أو كذب بنبوة الغلام فهو نفسه تكذيب وإنكار لنبوة
محمد ، وكل جزاء يلحق بمن كذب بمحمد هو نفسه الجزاء الذي يحل بمن يكذب
بالقادياني .
وانتقلت نفس الصفات التي اختارها الله لنبيه محمد فصارت للقادياني : فهو
مفضل، ومسجده مفضل وقبره مفضل، وقاديان نفسها مفضلة أيضاً، ويجب على المسلم
ألا يرى فارقاً بين قبر الرسول محمد وقبر الغلام؛ لأن القبرين في منزلة
واحدة، ولأن الغلام اسمه أيضاً محمد .
تحدث عن نبوءات الغلام الغيبية ؟
وبعد أن أثبت لنفسه النبوة كان حتماً عليه أن يخبر بالمغيبات على طريقة
الرسل الذين يطلعهم الله على غيبه لمصلحة يعلمها عز وجل , لقد ظن الغلام
أنه بمجرد الإخبار بالمغيبات تثبت نبوته، وتناسى مصداق ما يخبر به النبي
ووقوعه على وفق ما أخبر، وتنبؤاته كثيرة ومتنوعة ، وفيما يلي نذكر بعض تلك
الإلهامات التي جاء بها للتدليل على نبوته ومنها:
1- قصة غرامية حصلت له- لا يهمنا منها إلا جانب واحد، ومفاد هذه القصة أن
الغلام أحب امرأة تسمى محمدي بيكم بنت الميرزا أحمد بك، وهو ابن خاله.
خطبها الغلام بعد أن زعم أن الله أوحى إليها أنها ستكون زوجة له، وأن الله
وعده بذلك، والله لا يخلف الوعد، وتحدى على ذلك كل من أراد أن يحول بينه
وبين الزواج بها، وجاء بإلهامات وأخبار طويلة، وأن الذي يتزوجها غيره لا بد
وأن يموت في خلال سنتين , وخاب أمله ورفض والدها أن يزوجها منه رغم ما بذل
في تحقيق ذلك، وتزوجت هذه المرأة من غيره، وأنجبت له أولاداً وعاش زوجها
عيشة هنيئة سنين عديدة، ومات الغلام وهو يتحدى من يشككه في إخبار الله له،
وصدق عليه قوله حين قال متحدياً : ((إن لم يتحقق هذا النبأ فأكون أخبث
الخبثاء أيها الحمقى)) ، يخاطب مخالفيه، فقد مات ولم يتزوجها لا هو ولا أحد
من أقربائه .
2- نبوءته عن نفسه بأنه لا يموت حتى يتجاوز سنة 1920م، ثم مات سنة 1908م.
فنهاية الامر حوربت القاديانية من قبل المسلمين في الهند وباكستان حرباً
شعواء، وخرجت مهزومة محكوم عليها بالارتداد والكفر بالله، ولم تنتشر إلا في
بلدان نائية بين جهلة المسلمين وعوامهم.
تحدث عن غلوه وتفضيله نفسه على الأنبياء وغيرهم ؟
لم يقتصر الميرزا على التنبؤ، بل حمله غروره على أن فضّل نفسه على أكثر
الأنبياء والمرسلين، وأنه جُمع فيه ما تفرق في أنبياء كثيرين؛ فما من نبي
إلا وقد أخذ منه قسطاً حسب قوله الآتي: ((لقد أراد الله أن يتمثل جميع
الأنبياء والمرسلين في شخص رجل واحد، وإنني ذلك الرجل)).،كما فضل نفسه على
النبي حيث قال متطاولاً: له خسف القمر المنير وإن لي غسا
القمران المشرقان أتنكر
وله نصوص كثيرة في تفضيله نفسه على سائر البشر، مع أنه كان في أول أمره يصف
نفسه بالمسكين والضعيف، ثم جاء الميرزا بشير الدين محمود خليفته الثاني
ليعلن غلوه فيه بقوله: ((إن غلام أحمد أفضل من بعض أولي العزم من الرسل)).
فقال يصف شخصه ويقارن بينه وبين الأماكن المقدسة:
((وإني والله في هذا الأمر كعبة المحتاج، كما أن في مكة كعبة الحجاج، وإني
أنا الحجر الأسود الذي وضع له القبول في الأرض والناس بمسه يتبركون، لعن
الله قوماً يقولون: إنه يريد الدنيا. وإنا من الدنيا مبعدون)) , بل وأغرب
من هذا أن يقال: ومن أي طريق أقدم على دعوى أنه عين محمد ، وأنه كان لمحمد
حسب مزاعم القادياني وأتباعه- بعثتين: الأولى وكانت بمكة، والثانية
وكانت بالقاديان بالهند، وأن محمداً في بعثته الثانية كان أكمل منه في
بعثته الأولى , ولقد زاد على جهله بحق الأنبياء الجهل بحق الله عز وجل؛ فها
هو يثبت أن الله قال له
(أنت مني بمنزلة أولادي)).
تعالى الله عن هذا المعتقد الجاهلي فإن الله تعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن
له كفواً أحد، فهو منزه عن الصاحبة والولد: ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً{93} لَقَدْ
أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً{94}وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَرْداً ﴾