بسم الله الرحمن الرحيم
جــواب ســؤال
الحكم الشرعي في “تجميد الأجنة” و “تحديد جنس المولود”
السؤال: هناك أبحاث علمية انتشرت هذه الأيام بشكل صريح، بعد أن كانت تبحث
من قبل على استحياء، وهي "تجميد الأجنة، وتحديد جنس المولود"، وقد أصبحت
في بلاد الغرب بضاعة رائجة، ثم انتقلت إلى بلاد المسلمين، ولم تبق مجرد
أبحاث علمية، بل تجاوزت ذلك إلى إقبال بعض المسلمين على التعاطي معها، فما
هو الحكم الشرعي في هذين الأمرين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
قبل الإجابة، فإننا نقول إن الله سبحانه قد خلق الإنسان، وعلمه ما لم
يعلم، وأوجد في الكون والإنسان والحياة خاصيات ومقاييس وتراكيب معينة تفتح
مجالاً أمام الإنسان للاستفادة من علوم الحياة، واستخدام تلك العلوم فيما
ينفع الناس، ومدح الله سبحانه العلم النافع والعلماء النافعين لأنهم
الأقدر على الإيمان بالله والاستدلال بما يرونه من أسرار هذا الكون
والإنسان والحياة على عظمة الخالق وحكمته وقدرته، فقال سبحانه {إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وقال صلى الله عليه وسلم
«... إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ
الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا
وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه ابن
ماجة من طريق أبي الدرداء رضي الله عنه.
غير أن الشيطان وأتباعه، وأهل الشر، قد سخّروا العلم للأذى والضرر، ولمسخ
الحياة البشرية، وإخراجها عن الوضع السوي المستقيم، فاستخدمت تلك العلوم
لغير ما كان يجب أن تستخدم فيه، فكان الاستنساخ، وتجميد الحيوانات
المنوية، والبويضات، ثم الأجنة، وزرعها في غير أهلها، وكان تشريح الميت
وبيع أعضائه، بل وخطف الأحياء وقتلهم والمتاجرة في أعضاء البشر، وإجراء
التجارب المسماة علمية على الأجنة وتجميدها، والتلاعب بحياة الجنين،
وانتزاع أعضائه تارة بحجة الطب، وتارة بحجة العلم.!
إن الله سبحانه يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}، والأصل أن
ينطلق العلم من هذه الكرامة التي جعلها الله للإنسان وميزه عن كثير من
خلقه، وذلك لإسعاد البشر، وتحسين حياتهم الجسمية والعقلية... لكن أولئك
العلماء الأشرار انطلقوا من مسخ الإنسان، إلى أدنى من الحيوان، وجعله حقل
تجارب لكل شر وضرر.
بعد ذلك نقول:
إن الحكم الشرعي في موضوع السؤال، هو كما يلي:
أولاً: تجميد الأجنة.
لقد وجدت بعض حالات مرضية عند الأزواج تمنع إخصاب بويضة الزوجة من الحيوان
المنوي للزوج، وذلك بالطريق الطبيعي، كأن يكون هناك انسداد في عنق الرحم
او ضعف في تحرك الحيوانات المنوية للوصول إلى البويضة، أو غير ذلك من
أسباب معروفة للمختصين، فكان أن توصل بعض العلماء إلى إخصاب البويضة خارج
الرحم في أنبوب وفق ظروف مناسبة، حيث تعطي المرأة عقاقير مثل الكلوميد
تجعلها تفرز العديد من البويضات في المرة الواحدة. ثم يقوم الطبيب المختص
بإدخال منظار البطن ومسبارة في الموعد المحدد للإبياض (خروج البويضات) و
شفط مجموعة من البويضات من المبيض … ثم يضع كل بويضة في طبق بترى Petri
Dish في سائل خاص وتلقح هذه البويضات بحيوانات منوية من الزوج...
وبعد أن يتم ذلك الإخصاب في الأنبوب تعاد البويضة المخصبة "واحدة أو أكثر"
إلى رحم الزوجة، وإذا قدر الله سبحانه الخلق من هذه البويضة المخصبة فإنها
تعلق في الرحم وتنمو إلى نطفة فمضغة... وإن لم يقدر الله سبحانه الخلق من
هذه البويضة المخصبة ماتت واندثرت.
ولأن كثيراً من الحالات تفشل، (نسبة الفشل قد تصل إلى 90%) ولاهتمام الزوج
والزوجة في الحمل، فإنهم يعيدون الكرة، ويكون في ذلك إرهاق للمرأة، لأن
المرأة عادة تعطى عقاقير وعلاجات مختلفة لحث المبيض على إنتاج عدد من
البويضات، لأن التخصيب في الخارج "الأنبوب" ليس مضموناً، فيحث المبيض على
إنتاج أكثر من بويضة ، حتى إذا لم تخصب هذه خصبت تلك، فيأخذوا المخصبة
ويعيدوا زراعتها في الرحم، وأحيانا يعيدون إلى الرحم أكثر من بويضة مخصبة
حتى إذا ماتت واحدة فقد تنجح الأخرى...
إن البويضات الملقحة تزرع في رحم المرأة بجهاز خاص، والمتَّبع أن تزرع في
الرحم ثلاث بويضات لضمان نجاح واحدة منها، ويبقى عدد من البويضات المخصبة
لم يزرع في الرحم، بل يستعمل في مرحلة لاحقة إذا لم تنجح البويضات التي
زرعت في الرحم، أي أن البويضة المزروعة إذا فشلت، فهم ليسوا بحاجة إلى
معالجة المرأة من جديد، وإرهاقها، بل إنهم يأخذون من البويضات المخصبة
الزائدة، ويزرعونها في الرحم، وهكذا فكلما فشلت واحدة أخذوا الأخرى دون أن
يعيدوا إرهاق المرأة بالأدوية من جديد.
غير أن فشل البويضة المخصبة الأولى المزروعة لا يتم فوراً، بل قد لا يكتشف
إلا بعد ساعات أو أيام، وخلال هذه الفترة تموت البويضات المخصبة الأخرى
الزائدة، إن لم يتم تجميدها في درجات حرارة مناسبة وفي ظروف مناسبة. ولذلك
فإن البويضات الزائدة يُقام بتجميدها بالنيتروجين السائل لتكون جاهزة
للزرع إن فشلت العملية الأولى.
وهكذا ظهرت فكرة تجميد الأجنة، وهي في الأصل لإعادتها إلى رحم الأم عند
فشل التجربة الأولى، دون إرهاق المرأة بأدوية وعلاجات من جديد.
ثم أصبحت فيما بعد هذه الأجنة مادة تجارية وبخاصة في بلاد الغرب الكافر،
فأصبحت تبقى في التجميد مدة طويلة قد تصل سنوات، وقد لا تعاد إلى الأم بل
تباع لأزواج آخرين، أو حتى لنساء دون أزواج، وأصبح ما يشبه البنوك لخزن
الأجنة المجمدة، وتختلط أحياناً الأجنة ببعضها، كما تناقلت الأنباء
مؤخراً، وتعاد بويضة أخرى "غريبة" مخصبة للمرأة عند فشل التجربة الأولى...
وهكذا تختلط الأنساب وتمسخ الحياة البشرية...
وكما قلنا فلا ينحصر التجميد في البويضات المخصبة، بل صاروا يجمدون
البويضات، ويجمدون الحيوانات المنوية، ويبيعونها لمن يريد، ويسوِّقونها
بأن هذه البويضة، أو ذلك الحيوان المنوي من أشخاص مميزين أو نحو ذلك...
هذا باختصار واقع الأجنة المجمدة، وهذا الباب له تفاصيل عدة في أبحاثهم، ولكن الواقع الإجمالي هو ما بيناه، ولا تخرج التفاصيل عنه.
وبناء عليه فإن الحكم الشرعي هو كما يلي:
1- إن لجوء الأزواج إلى التخصيب خارج الرحم كمعالجة مرَضية لوضعهما من حيث
عدم الحمل بالطريق الطبيعي، هو جائز لأنه دواء، والرسول صلى الله عليه
وسلم أمر بالتداوي، أخرج أبو داود عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ
يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ»
أي إلا الموت.
ولكن بشرطين:
الأول: أن يكون التخصيب في الأنبوب من ماء الرجل والمرأة المتزوجين بعقد
صحيح، فعن رويفع ابن ثابت الأنصاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لَا
يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ
مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» رواه أحمد. فلا يجوز أن تخصب بويضة أي امرأة،
إلا من ماء الزوج.
الثاني: أن يتم ذلك، أي التخصيب في الأنبوب ونقله إلى رحم المرأة في حياة
الزوج، وليس بعد وفاته كما يتم في الغرب، حيث إنهم لا يرون مانعاً في نقل
البويضة المخصبة المجمدة لرحم الأم في الوقت الذي تريد، سواء أكان زوجها
حياً أم ميتاً! وهذا لا يحل في الإسلام، وذلك لأن حمل المرأة بلا زوج حي
منذ بدء الحمل، حرام، وعليه عقوبة، فإن من بيِّنات الزنا الحمل دون زوج،
فأي امرأة حملت ولا زوج فهي آثمة مرتكبة حراماً وإثماً عظيماً، وذلك لما
روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، ولم يوجد منكر لقولهما من الصحابة، مع أن
هذا الأمر مما ينكر لو لم يكن ثابتاً، وعليه فيكون إجماعاً.
فالحمل دون زوج هو من بيِّنات الزنا، وفيه الحد إن كان نتيجة المعاشرة
الجنسية، وفيه العقوبة التعزيرية الشديدة إن كان الحمل بغير المعاشرة
الجنسية أي بإدخال البويضة الملقحة في الأنبوب إلى رحم الزوجة بعد وفاة
زوجها، فيكون الحمل بعد وفاة الزوج.
وهكذا فإن الإخصاب خارج الرحم ومن ثم نقله إلى رحم الأم، بأن يكون من
الزوج للزوجة ، وفي حياة الزوج، فهذا جائز، أي أن ما يسمى "طفل الأنابيب"
جائز بالشروط المذكورة.
2- أما تجميد البويضة المخصبة "أو البويضات المخصبة" الزائدة، انتظاراً
لمعرفة نجاح التجربة الأولى، فإذا فشلت أخذوا البويضة المخصبة المجمدة ثم
أعادوا زرعها في رحم الأم، فإذا فشلت أخذوا الأخرى... وهكذا.
فإن هذه البويضات المخصبة المجمدة "الأجنة المجمدة"، لو كانت هي يقيناً من
الأم ولم تختلط بغيرها، لجاز إعادة زرعها في الأم بالشرطين المذكورين.
ولكن ما تناقلته الأنباء عن اختلاط الأجنة المجمدة يجعل تجميد الأجنة
وإعادتها للأم عند فشل التجربة الأولى، يجعل هذه العملية لا تجوز لما يلي:
1- إن الاهتمام عادة يكون في البويضة المخصبة الأولى التي ينجح تخصيبها في
الأنبوب، ثم إعادة زراعتها في الرحم، ويستمر بها الاهتمام والمتابعة لها.
2- إن البويضات المخصبة الأخرى الزائدة التي تُجَّمد، لا تتابع باهتمام
ولا يلتفت إليها إلا بعد فشل الأولى، وهي كما قلنا لا تفشل فوراً بل تحتاج
إلى وقت يقصر أو يطول للتأكد من الفشل، وخلال هذا الفترة تكون هذه البويضة
المخصبة الزائدة أو الزائدات في التجميد.
3- ورد ت أنباء عن اختلاط الأجنة "البويضات المخصبة" المجمدة، وهذه
الأنباء تجعل اختلاط الأنساب أمراً وارداً عن طريق اختلاط تجميد الأجنة.
4- إن التجربة الأولى في حالة نجاحها ، تتطلب إتلاف الأجنة المجمدة
الزائدة، غير أن هذا الإتلاف يبقى غير مؤكد، وعدم إتلافه يبقى مظنوناً،
وبخاصة والأنباء كذلك ترد عن تجارة الأجنة المجمدة.
ولأن القاعدة الشرعية "الوسيلة إلى الحرام حرام"، وغلبة الظن في القاعدة
تكفي، ولأن اختلاط الأجنة المجمدة، سواء أكان بطريق الخطأ أم بالتعمد
للغرض التجاري، يؤدي إلى اختلاط الأنساب وهو حرام، حيث إن الإسلام قد أوجب
حفظ الأنساب وصيانتها، فقد أخرج ابن ماجة في سننه من طريق ابن عباس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير
مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». وأخرج الدارمي من طريق
أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أنزلت آية
الملاعنة : «أيَّما امرأة أدخلت على قوم نسباً ليس منهم فليست من الله في
شيء، ولم يدخلها الله جنته».
وعليه فإن هذه الوسيلة، أي تجميد الأجنة الزائدة هو حرام، ويجب إتلاف
البويضات المخصبة الزائدة عن تلك التي أعيدت للرحم أول مرة أي إتلاف
البويضات المخصبة الأخرى في الحال دون تجميدها احتياطاً لفشل التجربة
الأولى, بل إذا فشلت الأولى، فإن الزوجة تعالج مرة أخرى لإيجاد بويضة
مخصبة جديدة كما حدث في الحالة الأولى، والإرهاق الناتج للمرأة ليس سبباً
لتجميد الأجنة التي تؤدي لاختلاط الأنساب وبالتالي الحرام.
وقد يقال إن القاعدة الشرعية تتطلب غلبة الظن باختلاط الأجنة المجمدة،
والوارد هو الظن وليس غلبة الظن، وبخاصة إذا كانت الجهة المعالجة موثوقة،
وتقوم بتجميد الأجنة بطريقة مأمونة، كما أنها تقوم بإتلاف الأجنة المجمدة
الزائدة في حالة نجاح التجربة الأولى، فلماذا إذن نقول بتحريم تجميد
الأجنة الزائدة التي تجنب المرأة الإرهاق من جديد لإخصاب بويضة جديدة في
حال فشلت الأولى.؟
والجواب على ذلك، صحيح أن المطلوب للقاعدة غلبة الظن، وهو في حالة كون
الجهة المعالجة مأمونة، غلبة الظن هذه غير متوفرة، نعم إذا توفرت
الطمأنينة التامة بعدم اختلاط الأجنة فإنه يجوز بشرط أن يتلف الباقي عند
نجاح أول تجربة، ولكن هذا الأمر من الحساسية بمكان، وما تناقلته الأنباء
يجعل الطمأنينة مهزوزة في مرحلتين:
الأولى: الفترة التي تمكثها التجربة الأولى للتأكد من النجاح وحدوث الحمل،
خلال هذه الفترة تكون الأجنة الزائدة المجمدة ليست تحت الاهتمام والعناية،
لأن المتابعة تكون لنجاح التجربة الأولى،
الثانية: أنه عند نجاح التجربة الأولى أو الثانية، يجب إتلاف الأجنة
المجمدة الزائدة، ولكن هذا الإتلاف لا يكون تحت الاهتمام والمتابعة حيث أن
المرأة إذا حملت، فلا يعنيها لا هي ولا زوجها متابعة الأجنة الزائدة
المجمدة، وقد يكتفيان بسؤالٍ، فيقال لهما قد أتلفت...
فكيف تتوفر الطمأنينة وتجارة الأجنة المجمدة تتناقلها الأنباء؟!
ومع ذلك، فحتى لو لم تتوفر غلبة الظن لحصول التحريم وفق القاعدة المذكورة،
فإنها ريبة، وقد أخرج الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، من طريق الحسن بن علي
رضي الله عنهما قال: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ».