غزة - ينتشرون في مكامنهم على الثغور يحرسون المصلين المعتكفين، يحيون ليلتهم في خنادقهم ممتشقين أسلحتهم، يتمتمون بآيات كتاب ربهم المحفور في صدورهم.. فبمجرد الاقتراب منهم تسمع أصواتا كدوي النحل يخرج من أماكنهم. فهذا مرابط قائم يصلي، وآخر يجلس تحت شجرة كبيرة يضع سلاحه على فخذيه ويحمل بيده مصحفه يتلو آياته.. ومرابط متخف يرفع كفيه إلى السماء يتضرع لربه، ويتقدمهم آخرون متسمرون في أماكنهم يرفعون أسلحتهم وتجوب أعينهم المكان يحرسونهم يراقبون آليات الاحتلال على الحدود.
أجواء الرهبة هذه عايشتها "إسلام أون لاين" على حدود قطاع غزة بصحبة المرابطين الذين أحيوا ليلة قدر مختلفة عن كل ليالي المعتكفين والمتهجدين في أنحاء العالم بعيون تحرس ليل مدينتهم وقلوب تشارك المعتكفين اعتكافهم في مساجدهم.
ويبدأ المرابطون في إحياء لياليهم من بعد صلاة العشاء لتستمر حتى أذان الفجر، تقسم المجموعات المرابطة نفسها، جزء للحراسة وآخر للصلاة والذكر ليتناوب أفراد المجموعة على الحراسة وقيام الليل.
فيختلي كل اثنين أو أكثر في ثغر يذكرون الله ويقيمون ليلهم، بينما تنشغل مجموعة الحراسة في حماية المصلين ومراقبة الحدود وتحركات آليات الجيش الإسرائيلي ترقبا لأي مباغته إسرائيلية.
مشاركة الدعاة
ويكلف أمير الرباط لجنة من المرابطين بالإعداد لليلة القدر والتنسيق مع الدعاة القادمين لمشاركة المرابطين إحياء ليلتهم.
ويقتنص دعاة غزة وقادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هذه الليالي بقضائها مع المرابطين بالتجوال على نقاط رباطهم يلقون المواعظ ويشاركونهم الصلاة والذكر، بينما يقوم آخرون بمشاركة من يقوموا بالحراسة ومراقبة الحدود، ويبث الدعاة بعض الأدعية الروحانية عبر جهاز لاسلكي خاص بمجموعات المرابطين.
وفي الثلث الأخير من الليل تبدأ أمهات المقاومين بالدوران على المرابطين يحملون معهم طعام السحور ويشدون من أزرهم ويدعون لهم.
ويختلي كل مرابط في وقت السحر مع نفسه في خندق أعد للرباط يتهجد ويدعو الله وحده، ويستمر هذا الحال حتى أذان الفجر فيصلي المرابطون جماعات صغيرة بالتناوب، حتى ساعات الصباح بحيث يعودون إلى منازلهم وممارسة حياتهم اليومية ليتسلم مكانهم المرابطين في الفترة ساعات الصباح.
تزاحم على الرباط
أبو البراء، أحد القادة الميدانيين لكتائب القسام، قال لإسلام أون لاين خلال رباطه على أحد الثغور إنه في العشر الأواخر من رمضان يتزايد إلحاح عناصر عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس على قادتهم للمشاركة في الرباط في هذه الليالي.
ويؤكد أبو البراء أن قيادة القسام تضطر لرد معظم الطلبات لكثرتها وعدم قدرة الثغور على استيعاب العدد المتزايد من المرابطين في غير أيامهم المخصصة لهم.
وبصوت تغلفه نبرات الخشوع، يسرد أحد المرابطين لإسلام أون لاين كيف أن أجواء قيام العشر الأواخر تختلف في الرباط وعلى الثغور عنها في أي مسجد آخر، مؤكدا أن للأحياء هذه الليالي في الرباط لذة لا تعادلها لذة "فيجتمع للمرابط أجر الاعتكاف ورهبة الرباط".
ويوضح أن المرابطين يستشعرون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تفضل الرباط في سبيل الله على الاعتكاف في المسجد الحرام فيتنافسون على الرباط في هذه الليالي المباركات.
وتنوعت أدعية المرابطين في هذه الليلة عبر أجهزة اللاسلكي بالأدعية المسموعة خلال صلاة التهجد ما بين المغفرة والعتق من النيران، واحتل الدعاء إلى الله لتفريج كرب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مساحات كبيرة من أدعيتهم.
ولم يغفل ابتهال المرابطين عن الإلحاح على الله أن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويوحد شمل وطنهم وقادتهم على كلمة لا إله إلا الله.
ليلة القدر بالأقصى
ومن غزة للقدس الشريف، فقد أحيا نحو 300 ألف مصلٍ ليلة القدر بالمسجد الأقصى المبارك، أغلبهم من أهالي مدينة القدس المحتلة وفلسطينيي 48، ومن استطاع الوصول من أهل الضفة الغربية.
وفي مشهد مهيب، غشيته الطمأنينة وحطَّت عليه الروحانية من كل مكان، بدا مشهد المصلين الذين تغلبوا على المصاعب التي وضعها الاحتلال لمنعهم من الوصول للأقصى وكأنه يكفكف دموع الأقصى والقدس المحتلة الذين يتعرضان لحملة تهويد وعزل غير مسبوقة.
وكان من الممكن أن يزيد عدد المصلين عن هذا العدد بكثير لولا الطوق الأمني الشامل الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي في محيط المدينة والمسجد الأقصى حال دون وصول عشرات الآلاف من أهالي الضفة خاصة.
فمنذ ساعات صباح يوم الأربعاء الماضي بدأ حشود الفلسطينيين الزحف باتجاه المسجد الأقصى لإحياء ليلة القدر، متحدين بذلك كافة الحواجز والمعيقات التي فرضها الاحتلال للحد من وصلهم إلى الأقصى.
وتعددت فقرات إحياء ليلة القدر بالمسجد الأقصى، فبينما ذهب بعض المصلين إلى الاعتكاف والصلاة بشكل فردي متخذين من ساحات الأقصى أماكن لهم، التزم آخرون بالبرنامج الشامل الذي تم تنفيذه طيلة الليلة.
واشتمل برنامج إحياء الليلة على فقرات متنوعة ما بين الصلاة والابتهالات والأدعية، إلى حلقات قراءة القرآن بشكل جماعي، بالإضافة إلى قيام عدد من الوعاظ بإلقاء الدروس الدينية.
بينما صدحت حناجر بعض المنشدين بالأناشيد والابتهالات الدينية التي تخللتها مسابقات دينية وثقافية.
واستمر برنامج القيام حتى صلاة الفجر؛ حيث تناول المصلون السحور، ومن ثم أدوا صلاة الفجر في جماعة.منقوووووول بتصرف