تحولت
منطقة حي النور، أمام مستشفى شرم الشيخ الدولي، إلى ميدان تحرير آخر، لم
تكن تتوقعه الجهات الأمنية، التي أحاطت عملية التحقيق مع الرئيس السابق،
حسني مبارك، ونجليه، جمال وعلاء، مساء الثلاثاء، بالغموض والسرية.
وشهدت المنطقة تعزيزات أمنية مكثفة من الشرطة والجيش، انتشرت
حول مستشفى شرم الشيخ الدولي، التي انتقل إليها مبارك، مرتديًا ملابس
رياضية، «ترينينج سوت» أبيض في أزرق، مقبلا في سيارة خاصة، في تمام
الخامسة من مساء الثلاثاء، برفقة زوجته سوزان ثابت، ونجليه علاء وجمال،
وفريق طبي مصاحب له، مصحوبين بحراسة مشددة من قوات الجيش والشرطة.
وتم نقل مبارك إلى الطابق الرابع من المستشفى أولا، لإجراء
فحوصات شاملة، ثم انتقل إلى الطابق الثالث، حيث غرفة العناية المركزة، بعد
أن عانى من اضطراب بنبضات القلب وانخفاض الضغط، واجهه الأطباء بحقنة مع
شراء أطعمة مملحة له من محل بحي النور. وبقي مبارك بالعناية المركزة حتى
تحسنت حالته وخرج منها، وأكد الأطباء أن حالته الصحية تسمح بالتحقيق معه.
في تلك الأثناء تجمع مئات المتظاهرين من العاملين بمجال
السياحة في شرم الشيخ، مطالبين بمحاكمة مبارك ومغادرته شرم الشيخ، ووقعت
مشادات ومشاحنات حين طالب البعض بفض تجمعات المتظاهرين أمام مستشفى شرم
الشيخ الدولي حتى لا يصورها الإعلام الخارجي كأنها اضطرابات، بما قد يؤثر
سلبيا على السياحة، التي بدأت تستعيد بعض عافيتها.
وحاولت الشرطة العسكرية وقوات الأمن إبعاد المتظاهرين عن
نطاق المستشفى، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، في ظل تزايد إقبال المواطنين،
الذين رددوا هتافات تندد بنظام الرئيس السابق وتطالب بمحاكمته وأسرته،
وكان من بينها: «يا مبارك يا طيار.. جبت منين 70 مليار، وعاوزين فلوسنا،
والحرامي يطلع برَّة».
وتمكنت «المصري اليوم» من دخول مستشفى شرم الشيخ الدولي، بعد
أن سمح رجال الأمن بالدخول إلى العيادات الخارجية، وقال هاني موسى، موظف
استقبال بمستشفى شرم الشيخ الدولي، إن الرئيس السابق يقيم في الدور
الثالث، وتم تسجيل تذكرة دخول له، وستوالي وزارة الصحة الإعلان عن حالته
الصحية والأمراض التي يعاني منها.
وقال أحد الممرضين العاملين في المستشفى إن مبارك يقيم
بالدور الثالث، الذي كان معدا للافتتاح، ويخضع للعلاج في الجناح رقم «4»،
وإن 3 مستشارين من جهاز الكسب غير المشروع والنيابة العامة حققوا معه مساء
الثلاثاء، لعدة ساعات متواصلة، وكان في انتظار الرئيس السابق كل من زوجته
سوزان ونجليهما علاء وجمال وزوجتيهما هايدى راسخ وخديجة الجمال.
وأشار الممرض إلى أن العمل بالمستشفى يسير بشكل طبيعي، وأن عملية استقبال المرضى لم يطرأ عليها أي تغيير.
وبمرور الوقت تزايدت أعداد المتظاهرين أمام مستشفى شرم
الشيخ الدولي، وانتقد رضا رجب حمزة، صاحب محل بحي النور، الإجراءات
الأمنية المشددة مع مبارك وأسرته، معتبرًا ذلك دليلا على استمرار التعامل
معه وكأنه ما زال رئيسًا للجمهورية، وأشار إلى ما كان يجري في السابق من
ترحيل الشباب، الذين كانوا يعملون في شرم الشيخ في سيارة ترحيلات لمجرد
وجود مبارك وأسرته للاستجمام، وقال: «أهالي شرم الشيخ يرفضون بقاءه».
بينما قال أحمد محمد، عامل بفندق سياحي، إنه يدعو الله أن «يموت مبارك ليحاسبه الله بدلا منا».
وقال أحمد جمعة، أحد المتظاهرين، إنها المرة الأولى التي يشارك في مظاهرة، ويطالب بالحصول على حقه من الأموال التي سُرقت.
واستبعد علي سلامة وإكرامي الصادق، وهما من العاملين
المتظاهرين، أن تؤثر مثل هذه المظاهرات على السياحة في شرم الشيخ، وقالا:
«السياحة ليست مهمة الآن، فالأهم هو نجاح الثورة».
وبحلول الساعة الحادية عشرة مساء، ومع تزايد أعداد
المتظاهرين وتعالي الهتافات ضد مبارك وأسرته، لوحظت تحركات لسيارات الأمن
المركزي والقيادات الأمنية باتجاه محكمة شرم الشيخ، التي لم تفتتح بعد،
وقالت مصادر أمنية إنه تم تجهيزها للتحقيق مع جمال وعلاء مبارك، اللذين
اقتيدا في سيارة مصفحة مع جهات التحقيق، بينما ودعتهما أمهما، سوزان،
وزوجتاهما، هايدي راسخ وخديجة الجمال، بالدموع والبكاء بصوت عال، مما أثر
في بعض الممرضات العاملات بالمستشفى وشاركنهن البكاء.
وزحف عشرات المتظاهرين خلف علاء وجمال، وتزايدت الأعداد حتى
بلغت الآلاف أمام محكمة شرم الشيخ، التي لم يتم افتتاحها بعد، واستهلت
أعمالها بإجراء أول تحقيق مع جمال وعلاء مبارك.
وواصل المتظاهرون هتافاتهم المنددة بالرئيس السابق وأسرته،
أثناء التحقيق، وكان من أبرزها: «يا جمال يا مبارك سجن طرة في انتظارك،
اوعى تبكي يا أمي يا مصر.. ما خلاص الكلاب غادروا القصر».
وقال إبراهيم محمد، 28 سنة، من الغربية ويعمل بأحد الفنادق،
إن عمله يبدأ الساعة السادسة صباحًا، وإنه يقف أمام المحكمة في انتظار
قرار جهات التحقيق مع جمال وعلاء مبارك، حتى يطمئن إلى استرداد حق
الشهداء، على حد تعبيره.
ومع انتهاء التحقيقات مع علاء وجمال، لم تستطع الجهات
الأمنية والشرطة من إخراج نجلي الرئيس السابق لترحيلهم، وقال أحد الضباط:
«اللي جرى في التحقيق معاهم أكثر مما تريدون»، في محاولة منه لتهدئة
المتظاهرين، الذين زادت أعدادهم بشكل استلزم استدعاء قوات أمن مركزي وشرطة
عسكرية، ولم يختلف الأمر كثيرًا، إلا بعد أن خرج اللواء محمد الخطيب، مدير
أمن جنوب سيناء، في الساعة الرابعة فجرًا، وأعلن قرار حبس جمال وعلاء
مبارك 15 يومًا على ذمة التحقيقات؛ ليهتف المتظاهرون في سعادة عارمة:
«يحيا العدل.. والله أكبر».