البنك الدولي‏:‏ وداعا للمشروطية
‏حوار‏:‏ نعمان الزياتي
البنك الدولي أصبح محبوبا بسبب محيي الدين B د
محمود محيي الدين من القلائل الذين يملكون حرية الاختيار منذ نعومة
أظافرهم‏,‏ فأسرته تعمل في العمل العام والعمل السياسي‏,‏ نابغة عصره‏,‏
عرف طريقه منذ الصغر وسار عليه بجدية واجتهاد‏,‏ منحته جامعة القاهرة
جائزة الجامعة لخدمة المجتمع عن عام‏2010‏ لدية قدرة بارعة في إقناع
الآخرين‏,‏ استطاع خلال ساعة‏,‏ هي عمر الحوار معه أن يجعلك من أحباء
ومريدي البنك الدولي‏,‏ ويمحو بذلك عقودا عدة من الكراهية ترسبت بين أهله
قبل جموع المصريين‏,‏ فقد بارك أهله خطوته الأخيرة في تبوئه المركز الأكبر
في البنك الدولي ليس بسبب المركز نفسه ولكن بسبب التغيرات والأهداف التي
صاحبت عمل البنك في الآونة الأخيرة والتي اختلفت كثيرا عما كنا نراه
ونقرأه في الستينيات من القرن الماضي‏.‏

وتبقي مشكلة الدكتور محمود محيي الدين في أنه يأخذك حيث يريد هو وليس كما
تريد أنت‏.‏ فترة توليه مسئولية الاستثمار وجولاته المستمرة داخل المنطقة
العربية وخارجها إلي جنوب شرق آسيا يجعلنا نستبشر خيرا بحدوث طفرة حقيقية
في أعمال البنية الأساسية بفضل التوجهات الجديدة للبنك والتي سوف تساعد
علي تحقيق التكامل العربي‏.‏ لهذا جاء الحوار معه ثريا ومليئا باللبنات
الأساسية للتكامل التي تبدأ بأعمال البنية الأساسية‏.‏

-----------------------------------------------------‏

فيم يفكر البنك الدولي الآن ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ قبل الأزمة حدثت مراجعات كثيرة‏,‏ فعالم ما قبل
أزمة‏2008‏ غير عالم الأربعينيات والخمسينيات‏,‏ اللذين شهدا نشأة البنك
الدولي وبداية نشاطه‏,‏ وتشكيل الاقتصاد العالمي وتشكيل الدول النامية‏,‏
والنصيب النسبي للدول وخاصة ذات الأسواق الناشئة والاقتصادات البازغة في
آسيا وأمريكا اللاتينية‏,‏ وتحركها قدما بما استوجب أن تعمل مراجعات
داخلية‏,‏ وكانت هناك مقولة فيما يعرف بالبنك الدولي الجديد‏,‏ وهناك
وثائق منشورة بدءا من‏2007‏ وانعكس هذا علي تغيرات في الكتلة التصويتية
التي تحركت لصالح الدول النامية‏,‏ وتدور حول‏49%‏ بعد أن كانت أقل من ذلك
بكثير‏.‏ وإضافة مقعد جديد في مجلس إدارة البنك من نصيب أفريقيا‏,‏ لكن
أهم ما أدعو إليه هو متابعة بعض الوثائق والكلمات التي صدرت عن البنك وعن
قيادة البنك علي مدار العامين الماضيين علي أن هناك تغيرات حدثت بالفعل
ترتكز علي تعدد أقطاب النمو‏,‏ وأن هناك تطورا في الأداء الاقتصادي لدول
يجعل البنك الدولي كمؤسسة دولية بمفهوم المرونة والبراجماتية أن يستجيب
لهذه التغيرات‏,‏ وما يشتهر الآن داخل البنك بمفهوم ديمقراطية التنمية
الاقتصادية‏,‏ بمعني أن وجهات النظر تختلف وتتفاوت‏,‏ ولا يوجد احتكار
لوجهة نظر واحدة تملي أو تفرض أو ترتبط بها عمليات التمويل من ناحية البنك
فيما عرف في السابق باصطلاح المشروطية‏,‏ لكن المشروعات تقدم من الدول‏,‏
وكل علي حسب توجهاته في طريقة الإدارة علي أن تحقق المشروعات التي يمولها
البنك الدولي أهدافه الرئيسية في مكافحة الفقر‏,‏ وفي تحقيق النمو
والتنمية بغض النظر عن وسائل تحقيقها‏,‏ حيث أصبحت هناك أكثر من طريقة
وأكثر من نموذج لتحقيق التنمية والنمو المضطرد‏,‏ ومفاهيم المشاركة أكثر
من مفاهيم البنك المانح للتمويل أو البنك المانح للقرض‏,‏ وانعكس هذا
مؤخرا علي اسم الوثائق التي كانت تعقد بين البنك والدول فيما يعرف
بإستراتيجية المساعدة المقدمة من البنك للدولة المعنية إلي إستراتيجية
المشاركة بين البنك الدولي والدول الأعضاء‏,‏ هذا المنهج الجديد ينعكس علي
عمل البنك‏,‏ وعلي قياداته وعلي عمل قطاعات البنك‏,‏ وفكرة نقل المعارف
والخبرات لم تعد مقصورة علي دول بعينها‏,‏ حيث كانت تسود في الماضي فكرة
أن التقدم له مصدر واحد‏,‏ والمعرفة تأتي من الشمال إلي الجنوب‏,‏ الآن
الحديث عن نقل الخبرات بين الشمال والجنوب ومن دول الجنوب إلي دول
الشمال‏,‏ وهناك تجارب متميزة لدول مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا
والبرازيل قد تستفيد منها دول في الشمال كانت تعد من الدول الأكثر
تقدما‏.‏ وهذا المفهوم يأتي في إطار ما يعرف بنهاية العالم الثالث‏.‏
العالم الأول يكافح تحديات التغيرات العالمية الاقتصادية‏,‏ والثاني لم
يعد موجودا منذ انهيار حائط برلين في‏1989,‏ أما الثالث‏,‏ فلا تستطيع
الجمع بين كل الدول في بوتقة واحدة أو مجمع واحد‏,‏ وبالتالي فكرة التصنيف
التقليدي للدول وتوزيعها علي عوالم كما كان متبعا لم تعد الطريقة
التقليدية‏,‏ ولكن عندما تظهر قيادات أمريكية وأوروبية تقول إن مجموعة
السبعة أو الثمانية لم تعد هي المكان الأفضل لتنسيق السياسات الخاصة
بالتجارة والاستثمار وضخ رؤوس الأموال والعملات لكن يجب أن تدور هذه
الأمور في إطار أوسع يضم عددا كبيرا من الدول ذات الأسواق الناشئة أو
البازغة مثل الصين والهند والبرازيل‏.‏ والأزمة عجلت من توقعات ورسخت من
تغيرات وجعلت العالم في إطار ما بعد الأزمة العالمية الآن‏,‏ ينظر إلي
الكثير من الأمور بنظرة جديدة في إطار من المراجعات الكبري‏,‏ وقد كتبت
مقالة في الأهرام الاقتصادي في مطلع العام الماضي‏,‏ تتحدث عن
المراجعات‏,‏ وأن الأزمة ليست أزمة في الاقتصاد العالمي لكن الأزمة في
الاقتصاد وعلم الاقتصاد وتستوجب التغيير وإعادة النظر في عدد كبير جدا من
الأساليب والنماذج وطرق البحث والتحليل‏.‏

فالعالم الذي نراه اليوم مليء بالتحديات‏,‏ وقد جري عرف الناس مع بداية
العام الجديد أن يتساءلوا عن التغيرات التي ستحدث‏,‏ مازلنا في أجواء ما
بعد الأزمة العالمية‏,‏ وهذا لا يعني أننا بدون أزمة الآن‏,‏ فإذا ما
استقرت بعض الأسواق الآن فمازالت هناك مشكلات في مجالات التشغيل‏,‏ والعمل
علي مكافحة البطالة في الدول النامية والمتقدمة وهناك مشكلات في عدم
معاودة الاستثمارات وتدفقاتها إلي سابق عهدها قبل‏2008,‏ فمازلنا عند رقم
لا يزيد كثيرا علي نصف ما كان عليه الوضع قبل الأزمة‏,‏ حركة التجارة
وتنوعها وتغيرها‏,‏ المشكلات الخاصة بالنمو وتواضعه في عدد كبير جدا من
الدول‏.‏ نحن نتحدث عن ضرورة ورغبة وأهمية في أن تستمر ذات الروح الخاصة
بالتعاون وبالتنسيق الدولي بين الدول المختلفة‏.‏ وهناك علامات استفهام
كثيرة حول مستقبل عدد من الاقتصادات التي تتعامل مع أوروبا‏,‏ وبالتالي كل
الدول التي تتعامل مع أوروبا عليها أن تعاود النظر حتي تبرأ أوروبا من
مشكلاتها الاقتصادية‏,‏ وحتي تبرأ ستكون هناك تكلفة كبيرة‏.‏
وعلي الجانب الآخر هناك أمور جيدة ومبشرة‏,‏ هناك عدد من الدول ومنها دول
أفريقية مازالت تحافظ علي معدلات نمو عالية‏,‏ وهناك مجالات للاستثمار في
مشروعات البنية الأساسية‏,‏ وفي التعليم وفي الرعاية الصحية‏,‏ وفي مجالات
التنمية عبر القطاع الخاص ومشروعاته الصغيرة والمتوسطة‏,‏ هذه التوليفة
تأتي بنا إلي موضوع آخر وهو المتعلق بوجودي في القاهرة‏,‏ للتنسيق مع
القائمين للإعداد للقمة الاقتصادية القادمة في شرم الشيخ‏,‏ وأيضا الحديث
عن محاور التعاون القائم ما بين البنك والدول العربية‏.‏

ما الدور الذي يلعبه البنك في القمة الاقتصادية العربية ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ هناك مبادرة للعالم العربي وهي أول مبادرة من
نوعها تخرج من البنك الدولي منذ إنشائه تحمل اسم العرب‏,‏ وكمتابع للشأن
الدولي فإن هناك تصنيفا للدول العربية باعتبارها دول شمال أفريقيا أو
الشرق الأوسط‏,,‏ لكن المبادرة العربية التي جاء بها رئيس البنك روبرت
زوليك‏,‏ تستهدف دفع التعاون الإقليمي بين الدول العربية وتحمل اسم العرب
وليس الشرق الأوسط‏,‏ حيث نتحدث عن مشروعات يتم تنفيذها في المجالات
الثلاثة‏,‏ البنية الأساسية وتنمية المشروعات الصغيرة والتعليم‏,‏ وأهمها
من الناحية التنفيذية هي مشروعات البنية الأساسية‏,‏ وهناك مشروعات للربط
الكهربائي وللطاقة المتجددة‏,‏ والربط بين المواني البحرية‏,‏ ومشروعات
للسكك الحديدية‏,‏ وأخري بشأن الطرق البرية‏,‏ وأخري جار دراستها بشأن
شبكات المعلومات‏,‏ بعض هذه المشروعات طرح في قمة الكويت والبعض الآخر يتم
استكماله‏,‏ والمحور الثاني مرتبط بواحدة من أهم نتائج القمة الاقتصادية
التي عقدت بالكويت‏,‏ وهي إنشاء صندوق لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
برأسمال يبلغ ملياري دولار‏,‏ وتقدر جملة الأموال التي حصل عليها الصندوق
نحو‏1.3‏ مليار دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة‏,‏ وهو مبلغ ضخم
ودوار‏,‏ المجال الثالث وهو الأخطر والأهم علي الإطلاق وهو الاستثمار في
التعليم‏,‏ وأوضحت في مناسبة أكاديمية داخل جامعة القاهرة‏,‏ بعد أن
منحتني الجامعة جائزة الجامعة لخدمة المجتمع عن عام‏2010,‏ ليس مصادفة أن
كافة الحضارات التي ظهرت كانت تنبني علي أعمدة علمية راسخة‏,‏ وليست
مصادفة أيضا في الحضارة العربية والإسلامية وليس مصادفة فيما نراه اليوم
من تطور في الصين والهند‏,‏ إنه سابق عليه استثمارات ضخمة في مؤسسات
التعليم وفي البعثات الدراسية إلي الخارج وفي تطوير الإمكانات التعليمية
هناك‏.‏

ما هو الجديد في دور البنك ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ البنك الدولي يمول مشروعات الكهرباء في مصر‏,‏
ومشروعات للبنية الأساسية في مصر‏,‏ لكن الجديد أن هناك مساندة إضافية
وتمويلا إضافيا إذا ما كان للمشروع توجه إقليمي‏,‏ فإذا كان لمشروع
الكهرباء أن يصدر جانبا من إنتاجه للدول العربية‏,‏ فهو يدخل في إطار
المبادرة العربية‏,‏ وإذا كان الطريق من شأنه أن يربط مصر بالسودان أو
بليبيا أو يربط المواني العربية بعضها ببعض‏.‏ ويقوم البنك بتقديم تمويل
مساند من خلال نشاط مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك وكذلك من خلال
البنك الدولي للإنشاء والتعمير بالتعاون مع مؤسسات مالية دولية
وإقليمية‏,‏ كما يقوم البنك بالتعاون مع عدد من المبادرات الإقليمية
لتقديم العون الفني والمساندة والتدريب والتطوير للمهارات والمساعدة في
تسويق المنتجات والخدمات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة‏.‏

كان برنامج مكافحة الفقر الأولوية الأولي لعمل البنك‏,‏ هل مازالت له الأولوية الآن؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ يظل الهدف الرئيسي للبنك الدولي في مكافحة
الفقر‏,‏ وإذا زرت مبني البنك في واشنطن ستجد لافتة كبيرة تذكر كل من
يدخله سواء من العاملين أو الزائرين بأن حلم هذا البنك هو عالم خال من
الفقر‏,‏ وبالتالي السياسات الخاصة بالبنك زاد تركيزها بعد الأزمة‏,‏ خاصة
أن الأزمة المالية سبقتها أزمة أخطر تمثلت في ارتفاع أسعار الغذاء‏,‏
وكانت شديدة التأثير علي بعض الدول من تأثير الأزمة المالية العالمية‏.‏
ولقد ضاعف البنك الدولي بعد الأزمة المالية من تمويله خاصة للدول النامية
والدول الأكثر فقرا‏.‏ وتأتي مكافحة الفقر علي صور متعددة‏,‏ ليست بديلة
لبعضها بل مكملة لبعضها‏.‏ الدعم ومساندته ورفع كفاءته هذا في الأجل
القصير‏,‏ لكن هناك حاجة إلي مشروعات للارتقاء للتطوير والنمو ومشروعات
لرفع الكفاءات وللتدريب وللاستثمار والتشغيل‏.‏ تلك هي الوسيلة الناجعة
لمكافحة الفقر كما وجدناها‏,‏ وهي ليست نظريات عمومية تدرس في المحافل
الأكاديمية وهو ما وجدناه في تجربة الصين‏,‏ فبفضل النمو الاقتصادي
المرتفع الذي تم تحقيقه في الصين استطاعت بسياساتها أن تأتي بنتائج جيدة
وملموسة في مكافحة الفقر‏,‏ وهي تحتفل بانتشال ما يقترب من ثلث سكانها من
دائرة الفقر في‏2002-2003.‏

كيف يمكن الاستفادة من تجارب الدول بدلا من البدء من الصفر ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ عدم اختراع العجلة أو البدء من جديد وأمامك
تجارب السابقين‏,‏ فكان هناك برنامج لأحد المذيعين يبدؤه وينهيه بكلمة
العاقل من اتعظ بغيره‏,‏ وفكرة الاتعاظ أن تستفيد من التجربة سواء عظة
إيجابية أو سلبية‏,‏ هنا دور البنك‏,‏ حيث إنه منتشر في‏187‏ دولة ويعرف
ببنك الخبرة وبنك المعرفة وعملي الرئيسي هو الإشراف علي ما يعرف بمجموعات
يعمل فيها آلاف العاملين داخل البنك‏,‏ منتشرة في دول مختلفة‏,‏ تقدم خدمة
نظام الشباك الواحد‏,‏ وهي ليست فكرة نظرية بل هي طبقت بنجاح في سنغافورة
وماليزيا‏,‏ وكوريا‏,‏ في تأسيس الشركات‏,‏ و هناك عدد من الأفكار
المتميزة في مجالات تمويل مشروعات البنية الأساسية‏,‏ في أمريكا اللاتينية
وفي الصين‏,‏ وتنقل الآن إلي دول أخري‏.‏

الدول التي اندمجت في الاقتصاد العالمي هي التي تقدمت ؟ كيف نعمل علي اندماج مصر في الاقتصاد العالمي ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ مصر استفادت من برنامج الإصلاح الاقتصادي
وبرنامج الإصلاح المالي في وقت مبكر قبل حدوث الأزمة واندلاعها‏,‏ ولا يصح
لي بحكم موقعي الآن أن أدخل في إطار التقدير أو التقييم لأي سياسة
اقتصادية‏,‏ ولولا قيامنا باجراءات إصلاح القطاع المالي في وقت مبكر التي
امتدت من‏2004‏ إلي‏2008‏ لكان حديثنا سينصب علي أمر آخر‏.‏
الأمر الثاني الاقتصاد المصري عندما تكون هناك استثمارات أجنبية فهذا
اندماج‏,‏ وعندما تكون هناك صادرات فهذا أيضا اندماج‏,‏ وعندما يكون هناك
ملايين من العاملين المصريين في الخارج فهذا يعتبر نوعا من الارتباط
بالخارج‏,‏ كذلك الأمر بالنسبة للسياحة‏,‏ لكن ما هي نسبته؟ هذا يتوقف علي
درجة إجادتك للعوم وظروف البحر‏.‏

ماذا كان رد فعل الأسرة علي اختيارك لهذا المنصب الرفيع في البنك الدولي ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ كل أفراد الأسرة بلا استثناء باركوا هذا
الاختيار‏,‏ والنظرة التي ينظر بها الجميع تختلف عن نظرة الماضي لأن
العالم كله تغير‏,‏ لكن هناك من توقفت وجهة نظره عند فترة معينة ولحظة
معينة وموقف معين‏,‏ فالعالم كله تغير وتغيرت فيه المؤسسات‏,‏ وتشكيلات
الاقتصاد تغيرت أيضا‏.‏ والأسرة تتمتع بقدر من المتابعة الجيدة لما يجري
في العالم‏.‏

كيف تري مرحلة البنك الدولي ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ أنا تخرجت في عام‏1986‏ وسوف تحتفل الدفعة
بمرور‏25‏ عاما علي التخرج هذا العام‏,‏ وعلي مدار الـ‏25‏ سنة‏,‏ تعلمت
في الداخل والخارج‏,‏ وعملت في وزارات محلية ودولية‏,‏ وعملت استشاريا
لوزارة المالية لما يقرب عن‏9‏ سنوات وكنت عضوا في مجلس إدارة البنك
المركزي‏,‏ كما أنني شخص منتم لأسرة تعمل في العمل العام والعمل
السياسي‏,‏ كل هذه العوامل تسهم في تطوير وتكوين الشخصية ومدي فهمها
للأمور‏.‏ وأتاح البنك الدولي لي العديد من الفرص للتعرف علي قيادات
وأساتذة مرموقين في مختلف المجالات‏,‏ البعض منهم حاصل علي جوائز نوبل في
فروعها المختلفة‏,‏ فالبنك يضم كافة التخصصات‏,‏ حيث يضم نخبة من الخبراء
في التنمية وفي البنية الأساسية وفي الطاقة والكهرباء وفي المياه‏,‏ وفي
التعليم والرعاية الصحية‏.‏ وأنا دائما حريص علي أن أستفيد من المناقشات
التي تجري داخل الاجتماعات والورش المختصة لمناقشة كل هذه الموضوعات وفي
كثير من الأحيان أطلب مد الوقت المخصص للجلسات والاجتماعات لأن هناك خبرات
تكتسب من هؤلاء الخبراء الذين خلطوا الواقع بالدراسات المكتبية حيث إن هذه
المؤسسة معنية بالدراسات‏,‏ فهي تضم مجموعة من الخبراء اجتمع لديهم الفهم
النظري والخبرة العملية ومن دول مختلفة‏.‏ لهذا يأتي القرار بناء علي تلك
الخبرات المجتمعة‏.‏
تعرض توافق واشنطن القديم لكثير من النقد‏,‏ وقد عجلت الأزمات المتكررة
وخاصة الأزمة المالية العالمية بتطويره وتحديثه‏,‏ ونعتقد أن سيلاقي قبولا
علي كافة المستويات

د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ كما قلت توافق واشنطن كان قديما وكان صالحا
للفترة التي خرج لها‏,‏ بتوجه معين وبسيادة وجهة نظر معينة‏,‏ لا أقول إن
هناك توافقا جديدا ولكن منهج جديد للتشاور وعدم الاعتداد بوجهة نظر منفردة
والتمتع بقدر عال جدا من المرونة والبراجماتية‏,‏ والاهتمام بالنتائج أكثر
من الوسائل‏.‏
هنا تكمن المرونة في عدم وجود قوالب جامدة‏,‏ فلا يوجد قالب جامد لسيطرة
القطاع الخاص‏,‏ ولا يوجد قالب جامد لسيطرة الدولة‏,‏ ولا لاستخدام وسيلة
دون غيرها لكن العبرة في نهاية المطاف‏,‏ ففي الحالة المصرية لدينا
نحو‏800‏ ألف راغب وقادر علي العمل ويجب ألا تتعنت في السبيل أو الوسيلة
التي تتيح له فرصة العمل التي يريدها‏,‏

كيف تري موضوع الشراكة مع القطاع الخاص بعد إصدار قانون الشراكة ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ يمكن تناول هذا الموضوع في سياق تمويل مشروعات
البنية الأساسية‏,‏ وهناك أشكال مختلفة للتعاقد وبفترات مختلفة‏,‏ هذا
الأمر يحتاج إلي عدة أمور‏:‏ قدرة عالية جدا علي التفاوض للتعاقدات‏,‏
خاصة أن بعض العقود قد تستغرق سنوات لإعدادها‏,‏ الأمر الآخر موضوع
الشراكة في حاجة إلي سوق مال حتي يقوم بتمويل مشروعات القطاع الخاص‏,‏ سوق
مال بمعني سوق رأس المال‏,‏ وهو يحتاج تمويلا طويل الأجل في شكل سندات وفي
شكل تمويل ممتد بأشكال مختلفة من خلال البورصة‏,‏ وأيضا هناك الحاجة إلي
جهات متخصصة ومحترفة للمتابعة‏.‏ فتمويل مشروعات البنية الأساسية في حاجة
إلي بنية أساسية‏.‏ بنية أساسية في القطاع التشريعي‏,‏ وبنية أساسية
رأسمالية‏,‏ وفي القدرة علي متابعة المشروعات‏.‏ والدول التي تبنت هذه
الأساليب حققت طفرة في نشاطها الاقتصادي بسبب تطور البنية الأساسية‏,‏

كيف تري الصحافة الاقتصادية ؟
د‏.‏ محمود محيي الدين‏:‏ هذا سؤال مهم جدا‏,‏ وهنا أتناول مسألة الثقافة
الاقتصادية‏,‏ الثقافة المالية‏,‏ هناك موضوع مهم تتبناه مجموعة
العشرين‏,‏ لكن هل تعرف كيفية حساب تكلفة التمويل ومخاطر التمويل‏,‏
ومزايا هذا التمويل‏,‏ كل هذا يحتاج إلي قدر من العلم بالشيء والمعرفة
اللازمة للاستفادة منه‏,‏ أيضا مشكلة الرهن العقاري‏,‏ التي كانت أحد
أسباب الأزمة الأخيرة‏,‏ روبرت شيلر واحد من أهم الاقتصاديين علي مستوي
العالم عمل كتيبا من‏80‏ صفحة يتناول فيه كيفية علاج المشكلة‏,‏ ثلث
الكتاب‏,‏ يتناول ترسيخ ثقافة مالية واقتصادية في أمريكا وليست دولة
نامية‏,‏ حيث لاحظ قلة الثقافة المالية‏,‏ والثقافة هنا لا ترتبط بالدرجة
العلمية‏,‏
فإصلاح القطاع المالي كان الاهتمام منصبا علي مقدمي الخدمة‏,‏ أي التركيز
علي البنوك والمراقبين لكن ماذا عن جانب الطلب ؟أي جموع الناس‏,‏ وهو ما
يقوم به الإعلام الاقتصادي من خلال تبسيط تلك المصطلحات وتوضيحها للناس‏*‏

المصدر

الأهرام الافتصادي 10\1\2011
http://ik.ahram.org.eg/IK/Ahram/2011/1/10/INVE1.HTM