كنتُ
مارًّا في طريق ليلا، فلفت انتباهي ذلك المنظر، فقد رأيتُ
مجموعة من الصبية وبعض البنات، وهم يفترشون الشارِع! ويجلسون داخلَ صناديق
مِن الكرتون، ويعيشون داخلَ إحدى المباني المهجورة!
فوقَع في نفسى وقلبي ألَمٌ شديد، ما هذا الذي يحدُث؟ لماذا
يقطن الأطفالُ بالشارع؟ أليس لهم أهلٌ يهتمُّون بهم ويرعونهم، أم أنَّهم
أيتام وليس لهم أيُّ مأوًى؟ فقد كان مظهرُهم يدلُّ على مخبرهم، فهم
يُفتِّشون في القمامة.
لا أعرف هل عن شيءٍ يأكلونه، أم أنهم
يبحثون عن عُلَب فارغة، أو بعض الملابس كي يُغطُّوا بها أجسامهم الضعيفة
الواهنة، والتي تآكلت بفِعل الأيام، فأصبحت عظامًا يكسوها الجلد، وارتسمتْ
على وجوههم تلك النظرة، التي وقعت في قلْبي قبلَ أن تشاهدها عيني، ألا وهي
نظرة الحسرة والألم، والخوف والمرض، والجوع والبرْد.
وتحدَّثتُ إلى نفسي كيف يترك المجتمع
والمؤسَّسات المعنية هؤلاء الأطفال - أطفال الشوارع إذا صحَّ التعبير -
بدون أيِّ رعاية من مأوًى آمن يلوذون به، ويحتمون به مِن قسوة البَرد
والأيام، وملبس يستُر عوراتهم، ويُغطِّي أجسامهم، وطعام يسدُّ حاجتَهم،
ويحفظ حياتَهم، ومأوًى يلوذون به حتَّى لا يكونوا في المستقبل تجارًا
للمخدِّرات، وعصابات للسرِقة والإجرام؟!
وإنَّ منظَّمة الصحة العالمية قدْ ذكرت
أنَّ أطفال الشوارع هم أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثامِنة، وتُشكِّل
الفتيات بينهم أقلية، أمَّا في البلدان النامية، فأطفال الشوارع هم عادةً
مراهقون تشكِّل الفتيات نصفَ عددهم.
وقد يكون طفلُ الشوارع: طفلاً
يعيش في الشارع؛ لأنه لا يملك بيتًا يأويه، فهذا الطفل - بسببِ عدم وجود
أُسرة يرجع إليها - يُكافِح من أجل البقاء، وقد يعتمد على أصدقاء أو يلجأ
إلى مَبَانٍ مهجورة؛ بحثًا عن مأوًى.
وقد يكون طفلاً يتسَكَّع في الشارع، و
يزور أُسرته بانتظام؛ بل إنَّه قد ينام في البيت كلَّ ليلة، ولكنَّه يقضي
معظمَ الأيام وبعض الليالي في الشارع؛ نظرًا لما يشهده في البيت مِن فقر
واكتظاظ، واعتداء جِنسي أو بدني.
وقد يكون طفلاً يَنتمي إلى أُسرة شوارع، فهو يَضطرُّ - بسبب الفقر أو الكوارث الطبيعية أو الحروب - إلى العَيْش والعمل في الشوارع.
ومِن أهمِّ أسباب انتشار تشرُّد الأطفال:
المشاكل الأُسرية والفقر، وزيادة عددِ السكَّان، ويبلغ عددُ أطفال
الشوارع مئات الآلاف ممَّن يتعرَّضون للعنف والاغتصاب، إضافةً إلى التشرد،
ومِن أهم واجبات الشؤون الاجتماعية العناية بهم، ووضعهم في دُور وملاجئ
آمنة.
وأطفال الشَّوارع هو الاصطلاح الأكثرُ
انتشارًا للتعبير عن الأطفال الذين يَعيشون بلا مأوًى، ويقضون ساعاتٍ
طويلةً من يومِهم، أو يومَهم كلَّه بالمساحات العامَّة، وينتشرون في ما
يُعرف بالبلاد النامية.
وهناك اختلافٌ في تعريف أطفال الشوارع،
بينما البعضُ يُحدِّد طفل الشارع بأنَّه الطفل الذي يعيش بصورة دائِمة في
الشارع، بلا روابط أُسرية، أو بروابطَ أسرية ضعيفة.
بينما يذهب آخرون لضمِّ كلِّ الأطفال
العاملين في شوارع المدن لتلك الفِئة، وهذا الاختلاف في التعريف يؤدِّي
إلى اختلاف كبير في تقدير الأعداد.
وتُقسِّم منظَّمة اليونيسيف العالمية أطفالَ الشوارع لفئات ثلاث:
قاطنون بالشارع:
وهم الأطفال الذين يعيشون في الشارِع (بصفة عامة بما يضمُّه من مبانٍ مهجورة، حدائقَ عامة، وتحت الكباري، وفي أماكن أخرى).
وهم أطفالٌ يعيشون في الشارع بصورةٍ دائمة أو شِبه دائمة بلا أُسَر، وعلاقاتهم بأسرهم الأصلية إمَّا منقطعة أو ضعيفة جدًّا.
عاملون بالشارع:
هم مِن أطفال يَقضُون ساعاتٍ طويلة
يوميًّا في الشارع في أعمال مختلفة، تندرِج غالبًا تحت البيع المتجول
والتسول، وأغلبهم يعودون لقضاءِ الليل مع أُسَرهم، وبعض الأحيان يَقْضُون
ليلهم في الشارع.
أُسر الشوارع:
أطفال يَعيشون مع أُسرهم الأصلية
بالشارع، وتبعًا لهذا التعريفِ قَدَّرت الأمم المتحدة عددَ أطفال الشوارع
في العالَم بحوالي 150 مليون طفل.
ومن وجهة نظر شخصية، أطفال الشوارع هم
الأطفال الذين لا مَسْكنَ لديهم، ويكون مسكنُهم هو الشارع، وهذه الظاهرة
إنِ انتشرت سيكون من الصعْبِ القضاءُ عليها، وهناك الكثيرُ مِن الحلول؛
ولكن الدول الفقيرة التي تكثُر فيها هذه الظاهرة من الصعْب عليها أن
تتَّخذها.
ومِن تلك الحلول:
(إقامة دُور رعاية، وتوظيف أناس تكون
مهمَّتهم البحث عن الأطفال، والقضاء على العصاباتِ التي تَستخدم الأطفال،
ووضْع قوانين للأطفال تُساعِدهم لكي يندمجوا في المجتمع).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ألاَ كُلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول
عن رعيته، فالأميرُ الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ
على أهلِ بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعْلِها وولده،
وهي مسؤولة عنهم، والعبدُ راعٍ على مال سيِّده، وهو مسؤول عنه، ألاَ
فكُلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)).
صَدَق رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.