ملحمة رائعة، جسدها المصريون عقب الانفجار الذي استهدف كنيسة «القديسين ماري جرجس والأنبا بطرس» بالإسكندرية، وعكست أصالة الوحدة الوطنية. فبينما تعاون المسلمون والمسيحيون لنقل المصابين والجثث إلى المستشفيات فور وقوع الجريمة، توافد المئات منهم على المستشفيات بالإسكندرية للتبرع بالدماء من أجل إسعاف المصابين.
ففي شارع خليل حمادة بمنطقة سيدي بشر في الإسكندرية، الذي تقع به الكنيسة المنكوبة، كان صبحي عبد المنعم حارس العقار رقم 75 بالشارع، يجلس في مكانه المعتاد أمام باب العقار عندما وقع الانفجار، فهرع على الفور ومعه زوجته لإسعاف المصابين دون أن يفكر ما إذا كان من يسعفه مسلما مثله أو مسيحيا. وقال عبد المنعم: «لم أكن بمفردي، بل كان معي عدد كبير من سكان الشارع، بعضهم نزل بملابس النوم ليساعد في إنقاذ الضحايا والمصابين».
وأضاف: «حملنا المصابين على أكتافنا وجرينا بهم إلى المستشفيات المحيطة، وهي مستشفى مار مرقص الذي يبعد نحو 300 متر عن مكان الانفجار، ومستشفى شرق المدينة الذي يبعد نحو 400 متر عن المكان». وتابع بالقول: «عندما وجدت أن بين المصابين عددا من السيدات مزق الانفجار ملابسهن، مزقت جلبابي إلى قطع من القماش لأغطيهن بها.. لم أفكر في أني أنقذ مسيحيا أو مسلما بل أنقذ إنسانا مثلي».
أما صباح أحمد، زوجة عبد المنعم، فكانت حريصة على أن تحمل الأطفال المصابين، وتقول: «حملت طفلا مسيحيا في الرابعة من عمره يدعى مينا إلى المستشفى وهناك رفض أن يتركني قبل أن يعثر على والدته التي كانت تقف بجواره ساعة الانفجار لكن الزحام والفوضى فرقا بينهما»، لذلك لم يكن غريبا أن تتلقى صباح ونحن معها اتصالا هاتفيا من والدة مينا تطلب منها الحضور إلى المستشفى لأن مينا يريد رؤيتها.
نموذج آخر للوحدة الوطنية قدمه العربي إبراهيم محمد صاحب محل «الهنا» لبيع الفول والطعمية بشارع خليل حمادة فقد أصر على غلق محله يوم أمس للذهاب إلى المستشفى للاطمئنان على جاره ميشال العجايبي الذي أصيب في الحادث. وقال العربي: «عم الحزن جميع الناس مسلمين ومسيحيين لأن الحادث غريب علينا تماما، ولا يمكن أن يكون مرتكبه مصريا».
وشهدت المستشفيات توافد 120 مسلما للتبرع بالدماء حسبما أعلن حاتم الجبلي وزير الصحة المصري.
أما نور الدين عبد الحميد، وهو موظف بهيئة البريد المصرية، فقال: «إن ما حدث لا يمكن أن يقبله أي مصري مسلم غيور على استقرار بلاده ووحدتها»، معتبرا أن الحادث هو خروج على القيم الأصيلة للمجتمع المصري الذي يسوده التسامح والمودة بين المسلمين والمسيحيين، مضيفا أن ما حدث جريمة غريبة على المجتمع.
وأكد شاذلي عبد الفتاح، وهو موظف بإحدى المصالح الحكومية، أن ما حدث ليس موجها لطائفة بعينها بل إلى جميع المصريين، مطالبا كافة مؤسسات الدولة باقتلاع جذور التطرف والتعصب من المجتمع عن طريق نشر الخطاب التنويري بين المواطنين.
ووصف أيمن داوود، وهو طبيب، حادث الإسكندرية بالجريمة الكاملة، بقوله إن «الجميع يعرف أنها محاولة للنيل من أمن مصر واستقرارها»، مؤكدا ثقته في قدرة الأمن المصري في القبض على الجناة.
وقال مجدي فلتس، موظف بإحدى المصالح الحكومية، «إن هذه حادثة مرفوضة من كل الشعب المصري مسلميه قبل مسيحييه، وهى غريبة على الشعب المصري، وستكون مناسبة لكي يعلم العالم أجمع درجة التماسك بين المصريين جميعا، واستنكارهم الشديد لذلك الحادث الإجرامي الذي يرفضه المصريون بغض النظر عن ديانة الضحايا».
وأضاف: «الجميع يعلمون أن كل المصريين متساوون في الحقوق والواجبات، وأن علاقة المسيحيين بالمسلمين لن تؤثر فيها أي أحداث تأتي من الخارج».
وأكد فلتس أن «الحادث ليس له صلة بالفتنة الطائفية، لكنه عمل إجرامي استهدف أمن وسلامة المسيحيين والمسلمين على حد سواء». وأعربت عبير عبد الرحمن، مدرسة، عن خالص تعازيها لأسر الضحايا، وقالت إن «ما حدث جريمة بشعة في بداية عام ميلادي جديد يحتفل به كل المصريين».
واستنكر مرزوق عبد الحكم، أستاذ جامعي، الحادث مشيرا إلى أنه عمل إجرامي منظم، وراءه أياد خفية خارجية تسعى لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وناشد المسلمين والمسيحيين التحلي بقدر من المسؤولية، «حتى لا نقع في مصيدة التطرف والفتنة».