بسم الله الرحمن الرحيم
عن عتبان بن مالكٍ الأنصاري رضيالله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يوافي عبدٌ يومالقيامة يقول لا إله إلا الله، يبتغي بها وجه الله إلا حرم الله عليهالنار " رواه البخاري.
أن يُحرم العبدُ على النار هذامن أعظم المُكتسبات، فإنّ من حرمهُ الله على النار نجا ، والله جل وعلاثمة أفعال وثمة مُعتقدات لها عندهُ جل وعلا منزلة عظيمة فلا شيء في الدينيعدل لا إله إلا الله ، فهذا الفضل من العمل إذا أقترن بالفضل من الإخلاصاجتمع قلبٌ صادق ومعتقدٌ صحيح وكلمةٍ طيبة هي لا إله إلا الله فلا يُمكنبعد ذلك لهذا العبد أن تنال النار منه شيء...
يقول صلى الله عليه وسلم : " لا يوافي الله عبد قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " فلا إله إلا الله كلمةٌ جليلة القدر
* من أجلها أنزل الله الكُتب،
* من أجلها بعث الله الرُسل ،
*من أجلها نصب الله الموازين ،
*من أجلها أقام الله الحُجج والبراهين ،
*من أجلها خُلقت السماوات والأرض،
* بل من أجلها خُلق الثقلين ({وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات56) وعبادةربهم أن يوحدُوه في المقام الأول فقال صلى الله عليه وسلم : " من قال لاإله إلا الله يبتغي وجه الله حرمه الله جل وعلا على النار "
المحرمون على النار ورد في أحاديث كثيرة أعمال الناس منهم:
· من صلى لله أربعاً قبل الظُهر وأربع بعدها حرّمه الله جل وعلا على النار .
· من كان هيناً ليناً سهلاً مع الناس حرّمه الله جل وعلا على النار .
· من بكى من خشية الله حرّمه الله جل وعلا على النار .
· من جاهد في سبيل الله حرّمه الله جل وعلا على النار .
· من أحبه الله حرمه الله على النار قال صلى الله عليه وسلم : " والله لا يُلقي الله حبيبهُ في النار"
ثم إن النار إذا دخلها من دخلها منعُصاة المؤمنين فإنّ الله جل وعلا لن يجعل لنار سُلطاناً كاملاً علىأجسادهم قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرّم على النار أن تأكُل منابن آدم أعضاء السجود ".
* أما قول لا إله إلا الله فإنالإنسان لا يُمكنُ أن يقولها حق القول المقصود في هذا الحديث ويبتغي بهاوجه الله إلا أن يكون من لوازم ذلك أن يعرف الله جل وعلا حقا وحتى يصلالإنسان إلى هذه المرحلة أن يعرفه، و يتمكن أن يقول لا إله إلا الله يبتغيبها وجه الله:
*لابد أن يكون هناك علم ويقين بالربتبارك وتعالى وحتى يكون هناك علمٌ ويقينٌ بمعنى هذه الكلمة ودلالتها لابُدأن يُذهب ويُلجأ إلى المصدر الأول في فهمها وهو كلام الله ثم كلام رسولهِصلى الله عليه وسلم فأول ما ينبغي على العبد فيها :
الأمر الأول: أن لا يستكبر عندسماعها ،وأن لا يدخلهُ أنفةٌ عند علمهِ بمعناها قال الله جل وعلا عن أهلمعصيتهِ ({إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّااللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُواآلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }الصافات36) .
الأمر الثاني : لابُد أن يكون هناك علم حق بالله عن طريق ما ذكره الله جل وعلا في كتابهِ من وجهين :
الوجه الأول : تعريف الله بذاته العلية .
والوجه الثاني : تعريف الرُسل بربهم .
فأما تعريف الرُسل بربهم فقد حكاهالله على لسان محمد وأكثر ما حكاه على لسان إبراهيم وموسى ، فإن إبراهيمعليه السلام لم يشهد خلق السموات والأرض ومع ذلك قال لقومهِ: (قَالَأَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ(75) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُالْأَقْدَمُونَ(76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّالْعَالَمِينَ(77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(78) وَالَّذِي هُوَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80)الشعراء ) وقال في آيةٌ أُخرى تكلم عن أن الله هو الذي فطر السماواتوالأرض ثم قال : (وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }الأنبياء56)ونظيرهُ كليم الله موسى فإن فرعون قال لهُ بُكل تبجُح قال ({قَالَ فَمَنرَّبُّكُمَا يَا مُوسَى }طه49) فأجابه الكليم عليه السلام ({قَالَرَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50) ثمقال ({ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى }طه51) فتأدب موسى معه ربهِ لامع فرعون ({قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّيوَلَا يَنسَى }طه52) هذا مما جرى على ألسنة بعض الرُسل في التعريف بربهم .
أما الرب جل وعلا فلا أحد أعلم بالله من الله والله جل وعلا في كتابه العظيم في التعريف بذاتهِ العلية طريقان :
الطريق الأول : ذكر أسمائهِ الحُسنى وصفاتهِ العُلا .
والطريق الثاني : ذكرُ خلقهِ تبارك وتعالى .
فتعريف أسمائهِ الحُسنى كقولهِ جلوعلا في آخر الحشر: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُالْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(22) هُوَ اللَّهُالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُالْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُسُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُالْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَافِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ({24) ) إلىآخر السورة
· وتعريفه جل وعلا بالخلق كقولهِ جلوعلا في النور : ({أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّيُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُمِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِنبَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُسَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }النور43)
فمن نظر بعين التدبُر :..السُحب مخلوقٌ واحد فجمع الله جل وعلا فيها أضداداً أربعة :
· جمع فيها الماء غوثاً لمن أحبهم .
· وجعل فيها الصواعق من النار تحرقمن أراد الله أن يُصيبهم منها إما نقمةً أو نعمة ولايجتمع الماء والنارلكنّ الله جمعهما في مخلوقٍ واحد .
· والسُحب إذا تراكمت ذاتها وأطبقتحجبت نور القمر وضوء الكواكب فأصبح الناس في ظُلمة فإذا خرج منها وميضالبرق أضاء للناس ولا يجتمع النور والظُلمة من مصدرٍ واحد لكنّ الله جلوعلا في السُحب بقدرتهِ وحكيم صنعتهِ ونفاذ مشيئتهِ جعل فيها النوروالظُلمة والماء والنار في آنٍ واحد ولا يقدر على هذا إلا الله .
فإذا تحقق عقلاً ونقلاً أنهُ لايقدرُ على هذا إلا الله وجب أن لا يُرجى ولا يُدعى ولا يُسأل ولا يُعبدأحدٌ غيرُ الله ، فإذا تحرر عقلاً أنهُ لا أحد يستحق أن يُعبد أو يُرجىإلا الله يجبُ أن يتحقق قلباً أن الله وحده خالقُ كُل شيء وأن بيدهِسُبحانهُ مقاليدُ كُل شيء وأنهُ جل وعلا إليه مصيرُ كُل حي وأنهُ جل وعلابيدهِ رزقُ كُل شيء إذا تحرر هذا آخرُ الأمر يأتي اللسانُ يترجمُ ذلكالمُعتقد فيقول المؤمن: " لا إله إلا الله"فلا يُريد بها بعد أن استقرّتفي قلبهِ وعلم حقيقة معناها إلا ربهُ جل وعلا فإذا وصل إلى هذه المرحلةكافئه الله جل وعلا بأن الله يُحرمهُ على النار هذا المقصود من قولهِ صلىالله عليه وسلم : " لا يوافي الله عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا اللهيبتغي وجه الله إلا حرمه الله جل وعلا على النار ".
وما سلك أحدٌ في باب ولا طرق أحدٌمجالاً يبتغي فيهِ نفعاً أعظم من نفع أن يعرف الإنسان من خلالهِ ربهُتبارك وتعالى فمعرفة الله جل وعلا هي كُنه الحياة كلها ومن عرف اللهوعبدهُ وأحبهُ جل وعلا لا يضرهُ ماذا فقد ، ومن -عياذاً بالله -لم يعرفالله لم ينفعهُ أي شيءٍ حصل عليه لأن الله جل وعلا وحدهُ من بيده الجزاءوالحساب .
المصدر/ شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري لفضيلة الشيخ صالح المغامسي
منقول