قال
تعالى [ يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم
ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا
بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون ]
سورة الحجرات آية رقم 11
قال تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )
قال ابن العربي رضي الله عنه : ليس لله تعالى خلق هو أحسن من الإنسان , فإن
الله خلقه حيا عالما , قادرا , مريدا , متكلما , سميعا , بصيرا , مدبرا ,
حكيما , وهذه صفات الرب , وعنها عبر بعض العلماء , ووقع البيان بقوله : {
إن الله خلق آدم على صورته } , يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها .
وفي رواية على صورة الرحمن . ومن أين تكون للرجل صفة مشخصة , فلم يبق إلا
أن تكون معاني , وقد تكلمنا على الحديث في موضعه بما فيه بيانه .
وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزدي , أخبرنا القاضي أبو القاسم علي
بن أبي علي القاضي المحسن عن أبيه قال : كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجه
حبا شديدا قال لها يوما : أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر ,
فنهضت واحتجبت عنه , وقالت : طلقني . وبات بليلة عظيمة . ولما أصبح غدا إلى
دار المنصور , فأخبره الخبر [ وقال : يا أمير المؤمنين , إن تم علي طلاقها
تصلفت نفسي غما , وكان الموت أحب إلي من الحياة ] ; وأظهر للمنصور جزعا
عظيما , فاستحضر الفقهاء , واستفتاهم , فقال جميع من حضر : قد طلقت , إلا
رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة , فإنه كان ساكتا , فقال له المنصور : مالك
لا تتكلم ؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم . { والتين والزيتون
وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } يا أمير
المؤمنين , الإنسان أحسن الأشياء , ولا شيء أحسن منه [ فقال المنصور لعيسى
بن موسى : الأمر كما قال ; فأقبل على زوجك ] , فأرسل أبو جعفر المنصور إلى
زوجه أن أطيعي زوجك , ولا تعصيه , فما طلقك .
فهذا يدلك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطنا و [ هو أحسن خلق الله ]
ظاهرا [ ص: 361 ] جمال هيئة , وبديع تركيب : الرأس بما فيه , والصدر بما
جمعه , والبطن بما حواه , والفرج وما طواه , واليدان وما بطشتاه , والرجلان
وما احتملتاه ; ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالم الأصغر ; إذ كل ما في
المخلوقات أجمع فيه هذا على الجملة وكيف على التفصيل , بتناسب المحاسن ,
فهو أحسن من الشمس والقمر بالعينين جميعا . وقد بينا القول في ذلك في كتاب
المشكلين , وبهذه الصفات الجليلة التي ركب عليها الإنسان استولى على جماعة
الكفران , وغلب على طائفة الطغيان , حتى قال : أنا ربكم الأعلى , وحين علم
الله هذا من عبده , وقضاؤه صادر من عنده , رده أسفل سافلين وهي : الآية
الرابعة بأن جعله مملوءا قذرا , مشحونا نجاسة , وأخرجها على ظاهره إخراجا
منكرا على وجه الاختيار تارة , وعلى وجه الغلبة أخرى , حتى إذا شاهد ذلك من
أمره رجع إلى قدره .
إنتهى