لظلم حرام».. كانت هاتان
الكلمتان آخر ما نطقت به «منة الله نهرو خليل» فتاة رشيد ذات الـ«١٤» عاماً
قبل أن تلقى بنفسها من الطابق الخامس وترحل عن الحياة، لتترك الدموع
والحسرة لأب وأم كانت هى الأمل بالنسبة لهما.. «المصرى اليوم» التقت الأسرة
التى كشفت عما وراء تلك الجملة الأخيرة للضحية.. حادث سرقة بالإكراه وراء
شعورها بالظلم.. فشلت المباحث فى إعادة حقها فقررت أن ترحل عن الحياة.
«منة الله».. فتاة متفوقة..
آخر شهادة دراسية لها تحمل تقدير امتياز فى جميع المواد الدراسية فى الصف
الثانى الإعدادى، حصلت على المركز الثانى على مستوى المدرسة، تعرضها لحادث
سرقة بالإكراه كان نقطة تحول فى حياتها، حيث أحالها إلى مأساة دفعتها إلى
الانتحار.
بدأت المأساة يوم ١٢ أغسطس
عام ٢٠٠٩ ـ والكلام على لسان والدها نهرو محمود خليل «٤٦ سنة» ويعمل سائقاً
ـ فى هذا اليوم خرجت «منة الله» لحجز الكتب الخارجية الخاصة بالدراسة فى
إحدى المكتبات برشيد وكان معها مائة جنيه ثمن الكتب و٣ جنيهات للمواصلات،
وعندما ذهبت للمكتبة لم تجد الحجز قد بدأ، وفى طريق عودتها ركبت سيارة من
الموقف وركب معها شخص واحد فقط وخرج السائق بالسيارة، وفوجئت الفتاة
بالراكب يطلب منها شنطتها ويضربها وعندما قاومته ضربها بمطواة فى يدها
اليسرى فأحدث بها جرحاً قطعياً بطول ٨ سنتيمتر وعمق ٢ سنتيمترات وسرق منها
الفلوس التى كانت موجودة معها، وتشاجر الراكب مع سائق السيارة الذى كان
يعرفه بسبب ضربه لها بالمطواة وحاولت ابنتى الهرب منهما وبالفعل قفزت من
السيارة وفر الشابان هاربين واستطاعت الوصول إلى منزل جدتها وذهبت إلى
الطبيب.
ويضيف الأب: عندما عادت ابنتى
إلى المنزل لم أكن أنوى تحرير محضر بالواقعة، ولكن أخى عصام وهو محام أصر
على تحرير محضر، وتم عرض «منة الله» على الطب الشرعى الذى أثبت إصابتها،
واستمعت المباحث إلى أقوالها ووصفها للمتهمين، واستطاعوا أن يصلوا للسيارة
وأحد المتهمين، الذى اعترف بارتكابه الواقعة مع ابن عمه، ولكن الشرطة لم
تحرر محضراً بالواقعة إلا يوم ١٧ أغسطس ٢٠٠٩ بعد إلقاء القبض على المتهمين.
عند هذه النقطة كانت الأمور
تسير بشكل طبيعى، حيث قال ضابط المباحث فى أقواله أمام أيمن مهابة، مدير
نيابة رشيد ومحمد أبويدك، وكيل النيابة إنه تم ضبط السيارة المستخدمة فى
الجريمة وضبط أحد المتهمين والذى اعترف بارتكابه للواقعة بالمشاركة مع ابن
عمه الذى تم ضبطه وحبستهما النيابة على ذمة القضية ووصلت مدة حبسهما
احتياطياً إلى ٩٠ يوماً فى انتظار التحريات النهائية.
وتدخل فى الحديث عصام خليل ـ
المحامى، عم الفتاة: أثناء نظر قضية السرقة التى تعرضت لها ابنة أخى حدث
اعتداء متبادل بالضرب بين أحد المحامين ومعاون مباحث مركز رشيد وتدخلت لحل
المشكلة ودياً، واعتبر ضباط الشرطة أننى وقفت ضدهم وناصرت زميلى المحامى،
وهو ما دفعهم للانتقام منى فى شخص ابنة أخى حيث قاموا بتغيير ورقتين من
محضر جمع الاستدلالات الخاصة بالقضية لإفسادها، كما قاموا بعمل محضر تحريات
مخالف للحقيقة، قالوا فيه إن الشكوى تكاد تكون كيدية رغم أن رئيس المباحث
قال فى التحقيقات إن المتهمين اعترفا بارتكابهما الواقعة وهو ما دفعنى
لتقديم بلاغ ضد أفراد الشرطة واتهمتهم بالتزوير.
ويرجع الحديث مرة أخرى لوالد
الفتاة الذى قال: أثناء فترة حبس المتهمين حاول أهلهما تشويه سمعة ابنتى
بالمشاركة مع بعض المخبرين، ولذلك ساءت الحالة النفسية للفتاة وكانت تعتقد
أن نظرة الناس تغيرت لها بعد الحادث، وكانت تقول إن هناك بعض الأشخاص
يتعقبونها، ويضيف الأب: كنت أحاول تهدئتها خاصة أنها كانت حساسة جداً
ومتفوقة فى دراستها، وقام المتهمان برفع قضية يطالباننى فيها بالتعويض بسبب
اتهام ابنتى لهما بسرقتها بالإكراه وقد أخفيت أمر هذه القضية عنها حتى لا
تسوء حالتها أكثر، وقبل ٤ أيام عدت من العمل متأخراً فوجدت «منة» جالسة
وحدها، وفوجئت بها تحتضننى وتمسح على شعرى وترينى ورقة القضية، وتقول لى
أنا قرأت هذه الورقة، وكانت تبكى وحاولت تهدئتها وقلت إنه موضوع بسيط فقالت
لى «للدرجة دى الظلم يا بابا، أنا زعلانة عليك لأنك مش قادر تجيب حقى أو
حقك وبتتعب كتير، حرام نعيش فى الدنيا دى».
وأكمل الأب ودموعه تنهمر: لم
أكن أعرف أنها كانت تودعنى.. ذهبت إلى العمل وفوجئت بتليفون من أحد الجيران
يخبرنى أن ابنتى سقطت من البلكونة فذهبت إلى المستشفى ووجدتها مازالت حية،
وعندما كلمتها قالت لى «الظلم حرام يا بابا.. الظلم حرام»، ثم فاضت روحها
إلى بارئها ولا أستطيع أن أفعل شيئاً إلا أن أقول «حسبى الله ونعم الوكيل».
أما جيهان عبدالفتاح والدة
«منة الله» فقد رفضت الحديث، ولم تقل غير «ربنا موجود، هو اللى هيجيب حق
بنتى، الكلام مش هيرجعها».
حسبنا الله
ونعم الوكيل