الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 4668تاريخ التسجيل : 16/07/2009العمر : 53المزاج : رايق
موضوع: زائر لا تتوقع له ميعاد (إنه الموت) الأربعاء 21 أبريل 2010, 10:23
يقول الله تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون [الجمعة:8].
سبحان من قصم ظهور عباده بالموت، وجدير بمن كان الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، والجنة أو النار مآله، أن لا يشغله عن الموت شاغل.
فما الموت؟ وما صفته؟ وهل الموت مصيبة؟ وما هي سنن الاحتضار؟ وكيف يكون الاستعداد له؟
أما الموت: لغة: فهو ضد الحياة.
وأما اصطلاحا: هو عبارة عن خروج الروح من الجسد، وقيل هو سلب وكشف؛ أما أنه (سلب) فلأن العبد يسلب من محبوباته من بين أهله وماله وولده وجاهه ومنصبه لحديث جبريل عليه السلام: ((يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه))([1]).
وأما أنه (كشف): فلأن العبد إذا مات انكشف له ما كان خافيا عليه قبل موته، فالناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا قال تعالى: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد [ق:22]. أي قوي.
وينبغي أن تعلم:
أن الموت نهاية كل حي قال تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص:88]. كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن :26]. كل نفس ذائقة الموت [آل عمران:185]. فلا منجى ولا مهرب.
وهو الداء الذي لا شفاء منه قال تعالى: كلا إذا بلغت التراقي بلغت الروح عظام الترقوة وقيل من راق من يرقيه ومن يشفيه وظن أنه الفراق وأيقن أنه لا طيب ينفع ولا علاج يدفع. (والتفت الساق بالساق) أي شدت إحدى قدميه بالأخرى وقد كان عليها جوالا: إلى ربك يومئذ المساق [القيامة:26-30].
وإذا المنية نشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
وقد تحدى رب العزة سبحانه أن يرد أحد الروح بعد خروجها: فلولا إذ بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، فولا إن كنتم غير مدينين أي غير مغلوبين مقهورين: ترجعونها إن كنتم صادقين [الواقعة:83-86].
ينبغي أن تعلم أخيرا، أن تمني الموت حرام، دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عمه العباس وقد نزل به مرض وهو يتمنى الموت، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا عباس، يا عم رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تتمنى الموت، فإن تك محسنا تزداد إحسانا، وإن تك مسيئا تستعتب))([2])، أي تستغفر من ذنبك وترجع عنه، إذا بلغ الأمر مداه، فلا بأس أن يدعو العبد بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم أحيني إن كانت الحياة خير لي، وتوفني إن كانت الوفاة خير لي))([3])، فيرد الأمر كله إلى الله عز وجل، والانتحار حرام، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تردى من جبل فهو يتردى منه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسّى سماً فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن توجأ بحديدة بيده، فهو يتوجأ بها في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا))([4]).
وأما صفة الموت؟
فإن في الموت ألم، وفيه ضعف وفيه فتنة وفيه رؤية:
أ- أما أنه ألم، فلقد وصف بعض السلف ألم الموت عند احتضاره، بأنه يعدل ألف ضربة بالسيف، ووصفه بعضهم كأنه في جب من نار، سأل عمر بن الخطاب كعبا عن الموت فقال له كعب: يا أمير المؤمنين كغصن كثيرة أشواكه، أدخلت في جوف رجل فأصاب كل شوكة كل عرق فيه، ثم نزعت منه مرة واحدة، أبقى منه ما أبقى وأخذ منه ما أخذ. ((إن رسول الله عليه الصلاة والسلام عند احتضاره، وكان أمامه قدح ماء، فكان يأخذ منه ويضع على جبينه الشريف، ويقول: اللهم هون علي سكرات الموت، إن للموت سكرات))([5]).
ب- من صفة الموت أن في الموت ضعف يصيب العبد بسبب الألم، العقل يتشوش، اللسان ينعقد، العينان تجحظان، الشفتان تتقلصان، الأطراف تضعف، يريد العبد أن ينفس عن نفسه بالصراخ فلا يستطيع لضعفه، ذكر لأحدهم عند احتضاره قيل له: كيف تجد نفسك؟ قال: أجد أن السماء أطبقت على الأرض، وكأني أتنفس من ثقب إبرة. هذا الهواء الذي ملأ الوجود، قل نصيب العبد منه فإنما هي أنفاس معدودة: إنما نعدّ لهم عدا [مريم :84]. أي نحسب لهم أنفاسهم حسابا دقيقا، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
ج- وفي الموت فتنة: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان يأتي أحدكم قبل موته، فيقول له: مت يهوديا مت نصرانيا))([6]). أبو جعفر القرطبي عندما حضرته الوفاة قال له رواده: قل لا إله إلا الله، فقال: لا، قيل له: قل لا إله إلا الله، قال: لا، فلما أفاق وعرف بالذي كان يقوله، قال: لست إياكم أعني، أتاني شيطان عن يميني يقول لي: مت يهوديا فإنه خير الأديان فكنت أقول له: لا، ثم أتاني آخر عن شمالي يقول لي: مت نصرانيا فإنه خير الأديان فكنت أقول له: لا .كما جاء في كتاب التذكرة للقرطبي.
د- وفي الموت رؤية: فلن تخرج روح العبد حتى يرى مصيره إلى الجنة أو إلى نار، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره وحتى يرى مقعده من الجنة أو النار))([7]).
وأما هل الموت مصيبة؟
فلقد سمى رب العزة الموت مصيبة فقال: فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة:106].
أ- الموت مصيبة: لأن العبد إذا مات، أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الحساب، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، يتمنى المرء أن يسبح لله تسبيحا، أن يسجد لله سجدة، أن يذكر الله لحظة واحدة، حتى يزحزح به عن النار: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز [آل عمران:186]، أحد السلف صلى ركعتين خفيفتين لم يرض عنهما، بجوار قبر، أخذته سنة من النوم، رأى صاحب القبر يقول له في المنا:م يا هذا، صليت ركعتين خفيفتين لم ترض عنهما، إنهما لأحب إلينا من الدنيا وما فيها.
ب- الموت مصيبة لأن العبد إذا مات، انصرف كل شيء عنه إلا عمله الصالح: ((إذا مات ابن آدم تبعه ثلاث: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله))([8]).
ج- الموت مصيبة لأن العبد إذا مات خرج كل شيء تحت ملكيته إلى غيره.
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
دخل علي بن أبي طالب المقبرة فقال: يا أهل القبور ما الخبر عندكم؟ إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسّمت، وأن بيوتكم قد سكنت، وأن زوجاتكم قد زوجت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى، كان عبد الرحمن بن يزيد خِلاً لبعد الملك بن مروان الخليفة، فلما مات عبد الملك وتصدع الناس عن قبره، وقف عبد الرحمن بن يزيد على قبر عبد الملك وقال: أنت أمير المؤمنين، أنت عبد الملك بن مروان، لقد أصبحت لا تملك من ثيابك إلا ثوبين ولا من أراضيك وأطيانك إلا أربعة أذرع في ذراعين ثم انقلب إلى أهله واجتهد في العبادة، وترك صحبة الملوك، إلى صحبة ملك الملوك سبحانه.
د- الموت مصيبة لأن العبد إذا مات تحسّر على كل صلة شغلته عن الله عز وجل، من كان نعلا للطغاة يأتمر بأمرهم وينتهك الحرمات لأجلهم: وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا [الأحزاب:67]. من كانت له صحبة شغلته عن الله عز وجل: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا [الفرقان:27-29]. فيندم العبد أن قدّم الزوجة والولد على الله عز وجل: يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس:34-37]. يقول عكرمة: ((يلقى الرجل زوجته يقول لها: أي زوج كنت لك؟ تقول: نعم الزوج، فيقول لها: فإني أسألك اليوم حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه، فتقول: ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مما تتخوف منه، يلقى الرجل ولده يقول له: أي والد كنت لك؟ فيقول: نعم الوالد فيقول له: فإني أسألك اليوم حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه فيقول: ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مما تتخوف منه)).
هـ- الموت مصيبة لأن الموت يأتي على غير وقت معلوم حتى يستعد العبد له: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت [لقمان:34].
مشيناها خطا كتبت علينا ومن كتبت عليه خطا مشاها
و من كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها
و- الموت مصيبة لأن الموت فيه فراق للحبيب الوفي، فيه فراق من ألفته النفس وسكن إليه القلب، في وقت عزّ فيه الحب وعزّ فيه الوفاء.
ذهب الذين يعاش في أكفانهم وبقي الذين بقاؤهم لا ينفع
ويقول أحد السلف كان الناس ورق لا شوك فيه، فأصبحوا شوكا لا ورق فيه، فعندما تظفر بمن تطمئن إليه ففراقه تكون فيه الحسرة بعد ذلك، ولا يكون الموت مصيبة للمجاهد، فالشهادة أمنية يتمناها العبد، وصاحب "الضلال" شهيد القرآن سيق إلى المشنقة وكان يقرأ قول الله تعالى: وعجلت إليك رب لترضى [طه:84]. المحب يحب الموت لأنه السبيل للقاء الحبيب سبحانه. سأل أحد السلف أحد الزهاد قال له: أتحب الموت؟ فكأنه توقف فقال له: لو صدقت الله في حبك لأحببت الموت لأن الله تعالى تحدى اليهود عندما ادعت محبة الله وولايته فقال لهم: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين [البقرة :95].
ثم الصبور الذي تحمل لسعات الدنيا وأذاها يستريح لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((مستريح ومستراح منه، قيل: يا رسول الله ما مستريح ومستراح منه؟ قال: أما المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وعنتها، إلى رحمة الله عز وجل، وأما الكافر فيستريح منه العباد والشجر والدواب))([9]).
وأما سنن الاحتضار:
فأولها تلقين المحتضر (لا إله إلا الله) لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))([10]). فمن استطاع أن ينطق بها فهو دليل حسن حال في الآخرة، لقول النبي : ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة))([11]).
الإمام القرطبي يقول: والعبد ينشغل باحتضاره بما كان منشغلا به في الدنيا، فإن كان الغالب عليه ذكر الله عز وجل كان كذلك عند احتضاره، وإن كان ما سواه كان ما سواه والعياذ بالله، ذكر لأحد التجار عند احتضاره قيل له: يا فلان قل لا إله إلا الله، قال: الدار الفلانية أصلحوا سقفها، يا فلان قل لا إله إلا الله قال: افتحوا في البستان ترعة. وقيل لآخر من أهل اللهو: قل لا إله إلا الله فقال: اشرب واسقني. يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت أي: لا إله إلا الله، في الحياة الدنيا أي عند الاحتضار وفي الآخرة أي عند السؤال في القبر: ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء [إبراهيم:27].
ومن سنن الاحتضار أيضا تغميض عيني الميت.
دخل النبي عليه الصلاة والسلام على أبي سلمة وقد شق بصره (أي ارتفع) فأغمض النبي عليه الصلاة والسلام عيني أبي سلمة وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))([12]).وأن يتوسد جنبه الأيمن وأن يستقبل القبلة بقدمه كذا فعلت فاطمة رضي الله عنها عند ما حضرتها الوفاة، استقبلت القبلة بقدميها وتوسدت بجنبها الأيمن([13])، وهي الصورة التي من السنة أن تنام عليها وأن تحتضر عليه، وأن تدفن عليها في قبرك.
ومن سنن الاحتضار إبراء الذمة، من حق لله أو حق للعباد، من حق لله عز وجل كالحج، سألت امرأة، رسول الله : إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((نعم حجي عنه))([14])، ثم حق للعباد، كالدّين مثلا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((نفس المؤمن معلقة بديْنه))([15]) أي محبوسة عن مقامها الكريم.
وأما كيف يكون استعداد العبد للموت؟
فلابد أولا أن تدرك قصر الدنيا: لم يلبثوا إلا عيشة أوضحاها [النازعات:46]. من السنة إذا ولد المولود أن يؤذن في أذنه اليمنى وإذا مات أن يصلى عليه، قال الشاعر:
أذان المرء حين الطفل يأتي وتأخير الصلاة إلى الممات
دليـل أن محيـاه يسيـر كما بين الآذان إلى الصلاة
أي ولد فأذن ومات فأقيمت الصلاة وحياته ما بينهما.
وأخيرا لابد من اغتنام الأوقات قبل رحيلها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضتك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك))([16])، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم أن تنشغل بعيبك، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أمسك عليك لسانك وليسعك وبيتك وابك على خطيئتك))([17])، ثم الأخذ بالعزائم، فسلعة الله غالية، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين))([18])، ويقول رب العزة عن الجنة: خالدين فيها أبدا ، فما قيمة المحدود أمام اللامحدود، ثم إن عليك أن تدرك أن كل لذة مرت عليك، سوف ينتهي أمرها بعد ذلك.
والله لو عاش الفتى في دهره ألفا من الأعوام مالك أمره
متنعمـا فيهـا بكـل نفسية أبدا و لا ترد الهموم بباله