بسم الله الرحمن
الرحيم
خطبة من 700 كلمة .. خالية من حرف الألف !
جلس جماعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم يتذاكرون فتذاكروا
الحروف الهجائية وأجمعوا على أن حرف الألف هو أكثر دخولا في الكلام فقام
الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه و ارتجل هذه الخطبة الخالية من الألف
ما عدا ما ذكره فيها من القران ..
وهي مكونة من 700 كلمة .
حمدت وعظمت من عظمت منته , وسبغت نعمته , وسبقت غضبه رحمته , وتمت كلمته ,
ونفذت مشيئته , وبلغت قضيته . حمدته حمد مقر بتوحيده , ومؤمن من ربه مغفرة
تنجيه , يوم يشغل عن فصيلته وبنيه . ونستعينه ونسترشده ونشهد به , ونؤمن به
, ونتوكل عليه , ونشهد له تشهد مخلص موقن , وتفريد ممتن , ونوحده توحيد
عبد مذعن , ليس له شريك في ملكه , ولم يكن له ولي في صنعه , جل عن وزير
ومشير , وعون ومعين ونظير , علم فستر , ونظر فجبر , وملك فقهر , وعصي فغفر,
وحكم فعدل , لم يزل ولم يزول , ليس كمثله شئ , وهو قبل كل شئ , وبعد كل شئ
, رب متفرد بعزته , متمكن بقوته , متقدس بعلوه , متكبر بسموه , ليس يدركه
بصر , وليس يحيطه نظر , قوي منيع , رؤوف
رحيم , عجز عن وصفه من يصفه , وصل به من نعمته من يعرفه , قرب فبعد , وبعد
فقرب , مجيب دعوة من يدعوه , ويرزقه ويحبوه , ذو لطف خفي , وبطش قوي ,
ورحمته موسعه , وعقوبته موجعة , رحمته جنة عريضة مونقة , وعقوبته جحيم
ممدودة موثقة . وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله , وصفيه ونبيه وحبيبه وخليله ,
صلة تحظيه , وتزلفه وتعليه , وتقربه وتدنيه , بعثه في خير عصر , وحين فترة
كفر, رحمة لعبيده , ومنة لمزيده , ختم به نبوته , ووضح به حجته فوعظ ونصح ,
وبلغ وكدح , رؤوف بكل مؤمن رحيم , رضي ولي زكي عليه رحمة وتسليم , وبركة
وتكريم , من رب رؤوف رحيم , قريب مجيب . موصيكم جميع من حضر , بوصية ربكم ,
ومذكركم بسنة نبيكم , فعليكم برهبة تسكن قلوبكم ,وخشية تذرف دموعكم
وتنجيكم , قبل يوم تذهلكم وتبلدكم , يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته , وخف
وزن سيئته , وليكن سؤلكم سؤل ذلة وخضوع , وشكر وخشوع , وتوبة ونزوع , وندم
ورجوع , وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه , وشبيبته قبل هرمه فكبره
ومرضه , وسعته وفرغته قبل شغله وثروته قبل فقره , وحضره قبل سفره , من قبل
يكبر ويهرم ويمرض ويسقم ويمله طبيبه ويعرض عنه حبيبه , وينقطع عمره ويتغير
عقله . قبل قولهم هو معلوم , وجسمه مكهول , وقبل وجوده في نزع شديد , وحضور
كل قريب وبعيد , وقلب شخوص بصره , وطموح نظره , ورشح جبينه , وخطف عرينه ,
وسكون حنينه , وحديث نفسه , وحفر رمسه , وبكي عرسه , ويتم منه ولده ,
وتفرق عنه عدوه وصديقه , وقسم جمعه , وذهب بصره وسمعه , ولقي ومدد , ووجه
وجرد , وعري وغسل , وجفف وسجى , وبسط له وهيئ , ونشر عليه كفنه , وشد منه
ذقنه , وقبض وودع وسلم عليه , وحمل فوق سريره وصلي عليه , ونقل من دور
مزخرفة وقصور مشيدة , وحجر متحدة , فجعل في طريح ملحود , ضيق موصود , بلبن
منضود , مسعف بجلمود , وهيل عليه عفره , وحشي عليه مدره , وتخفق صدره ,
ونسي خبره , ورجع عنه وليه وصفيه ونديمه ونسيبه , وتبدل به قريبه وحبيبه ,
فهو حشو قبر , ورهين قفر , يسعى في جسمه دود قبره , ويسيل صديده على صدره
ونحره , يسحق تربه لحمه , وينشف دمه ويرم عظمه , حتى يوم محشرة ونشره ,
فينشر من قبره وينفخ في صوره , ويدعى لحشره ونشوره , فتلم بعزه قبور ,
وتحصل سريرة صدور , وجئ بكل صديق , وشهيد ونطيق , وقعد للفصل قدير , بعبده
خبير بصير , فكم من زفرة تعنيه , وحسرة تقصيه في موقف مهيل ومشهد جليل بين
يدي ملك عظيم بكل صغيرة وكبيرة عليم , حينئذ يجمعه عرفه ومصيره , قلعة
عبرته غير مرحومة , وصرخته غير مسموعة , وحجته غير مقبولة , تنشر صحيفته ,
وتبين جريرته , حين نطر في سور عمله , وشهدت عينه بنظره , ويده ببطشه ,
ورجله بخطوه , وفرجه بلمسه , وجلده بمسه , وشهد منكر ونكير , وكشف له من
حيث يصير , وغلل ملكه يده , وسيق وسحب وحده , فورد جهنم بكرب وشده , فظل
يعذب في جحيم , ويسقى شربة من حميم , يشوى وجهه , ويسلخ جلده , ويضربه
زبينه بمقمعة من حديد , يعود جلده بعد نضجه وهو جلد جديد , يستغيث فيعرض
عنه خزنة جهنم , ويستصرخ فلم يجده ندم ة, ولم ينفعه حينئذ ندمه . نعوذ برب
قدير من شر كل مضير , ونطلب منه عفو من رضي عنه , ومغفرة من قبل منه , فهو
ولي سؤلي , ومنجح طلبتي , فمن زحزح عن تعذيب ربه , جعل في جنة قربه , خلد
في قصور مشيده , وملك حور عين وعده , وطيف عليه بكؤوس , وسكن في جنة فردوس ,
وتقلب في نعيم , وسقي من تسنيم , وشرب من عين سلسبيل قد مزج بزنجبيل , ختم
بمسك , مستديم للملك , مستشعر بسرور , يشرب من خمور , في روض مغدق , ليس
يبرق , فهذه منزلة من خشي ربه , وحذر ذنبه ونفسه , قوله قول فصل , وحكمه
حكم عدل , قص قصص , ووعظ نص , بتنزيل من حكيم حميد , نزل به روح قدس متين ,
مبين من عند رب كريم , على نبي مهدي رحمة للمؤمنين , وسيد حلت عليه سفره
,مكرمون برره , وعذت برب عليم حكيم , قدير رحيم , من شر عدو ولعين رجيم ,
يتضرع متضرع كل منكم , ويبتهل مبتهلكم , ويستغفر رب كل مذنوب لي ولكم (تمت)
والله أعلم . ثم قرأ بعدها قوله تعالى { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين }