سكر نبات قصة قصيرة

سكر نبات

على باب القطار وقفت ممسكة بحديد الباب ، تطوح جسدها في الهواء ، والقطار رابض بوكره ينتظر موعد انطلاقه ..
يدور جسدها خارج القطار ..
يلمحها وهو قابع في كرسيه خلف الباب ، يذوب قطعة سكر بفـيه .. تذوب ،
يلتقط أخرى من كيس اشتراه من السوق التجاري ، يتذوقها .. تهيم في ظلمة
فـيه ، يتحرك لسانه جيئة وذهابا ً ، تعمه النشوة ، يطوح نفسه مع البنت
الممسكة بحديد الباب ، تدور دورتها ، تتقابل عيناهما ، عينان جميلتان
تملؤهما البراءة وتتقافز فيهما شقاوة الصبا ، تبتسم له ، يهدهدها بمقلتيه
، ذابت قطعة السكر ، يلتقط أخرى من كيسه .. ترى الكيس ، تقترب منه عبر
نافذة القطار ، تنظر إليه ، يعطيها قطعة سكر .. يراها ..
شقراء الشعر .. ناعم مسترسل
.. نافر عند جبينها .. غير ممشط .. مهمل ، ملابسها رثة ، بقدميها " شبشب "
بإصبع واحدة ، يغلف محياها ابتسامة هادئة حانية ، كأنها لم تعرف البكاء من
قبل ...
تضع قطعة السكر في فمها .. تجري على رصيف المحطة .. الدنيا في فمها .....
عادت كما تعود القطة لصاحبها .. أعطاها قطعة أخرى ، قالت :
ـ هات واحدة كمان
ـ ليه ؟
ـ أديها لماما
ـ ولا هتاخديها ليكي
ـ والله هديها لماما
أعطاها قطعة السكر ، انطلقت
من أمامه ، تبعها ببصره بين مقاعد القطار ، بعـُـدت .. ذابت بين الجالسين
، لم يعد يراها .. ظنها لن تعود ، أهملها وأخذ يقلب في حقيبته ، يراجع ما
اشتراه ، يفتح قسيمة الجمرك .. تتجهم ملامحه ، يعض شفتيه ، يقسم قيمة
الجمرك على ما اشتراه ، يلتقم قطعة سكر .. تبحث عنها ضروسه .. يطحنها ..
يزدردها ، يقذف بأخرى ، تبادره البنت :
ـ شفت .. إديتها لماما
ـ بجد ؟
ـ آه والله !!
ـ شاطرة .. خدي واحدة كمان علشان ما كذبتيش ، على فكرة .. إنتي اسمك إيه ؟
ـ زوزو
ـ في سنة إيه يا زوزو ؟
ـ في سنة تالتة ابتدائي .. لأ لأ في سنة رابعة
ـ وبتعملي إيه هنا يا زوزو ؟!
ـ باشتغل هنا
ـ بتشتغلي هنا !! .. بتشتغلي إيه !! ..
ـ باشتغل هنا
ـ بتبيعي حاجة على الرصيف . ـ لأ .....
ـ بتشتغلي في القطر ـ لأ .....
ـ إمال بتشتغلي إيه ؟!!!!
ـ بشتغل مهربين
ـ مهربين ؟ !!!!!!!!!
لاحظ جرحا ً بجبينها تداريه خصلات شعرها ..
ـ وفين المعلمة إللى بتشتغلي معاها ؟
ـ أنا ما ليش معلمة ..!
ـ إمال جايه مع مين ؟!!!
ـ مع ماما ... صرخ :
ـ ماما ؟ !!!!!!!!!
امتلأت مقاعد القطار ، بدأت تملأ فراغات طرقاته ، الكل يقلب في حقائبه ..
ينظر حوله ، اختفت البنت ،
يعلو صفير القطار مؤذنا ً ببدء الحركة ، ينطلق من وكره بعد أن إمتلأت
معدته حتى كادت تلفظ ما بداخلها ، بدأت المشاحنات ، صوت امرأة يعلو ..
تزمجر ، ينقب ببصره عن البنت ، لم يرها ، يتحسس بأصابعه كيس سكر النبات
وجده فارغا ً .....

بقلم / طارق الشافعي ..

يسلمووووووووووووووووووووو
على القصة الرائعة

يسلموووو العمدة

على القصة الرائعة

دمتا بود ...